“ليالٍ مرعبة”.. نازحون يسردون قصة رحلة النزوح من ريف حلب
سامر ياسين/دلسوز يوسف – نورث برس
قطع الإيزيدي إيزديئار رشو مسافة تجاوزت 400 كم، مستقلاً دراجته النارية برفقة زوجته وأطفاله الأربعة، في رحلة نزوحه من قريته بمنطقة الأحداث بريف حلب الشمالي، وصولاً إلى ريف مدينة الحسكة، بقرية تدعى برزان ذات الأغلبية الإيزيدية.
وفي الأول من الشهر الجاري، أطلقت فصائل معارضة موالية لتركيا عملية سميت بـ “فجر الحرية”، استهدفت من خلالها مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” بريف حلب الشمالي، حيث تركزت في مدن تل رفعت وفافين والأحداث واحرص.
ويقطن هذه المدن إلى جانب 40 قرية محيطة بها، ومخيمان للإيواء، نازحين من مدينة عفرين وريفها، كانوا قد نزحوا منها إبان الهجوم التركي والسيطرة عليها عام 2018، حيث نزح مئات الآلاف من سكان عفرين وريفها إلى مناطق الشهباء بريف حلب ومدينة حلب والجزيرة السورية وإقليم كردستان العراق.
وبحسب إحصائيات جديدة للأمم المتحدة، نزح أكثر من 370 ألف شخص من مناطق النزاع والصراع المسلح الأخير في سوريا عموماً، كان العدد الأكبر للنازحين من مناطق الشهباء وتل رفعت بريف حلب الشمالي حيث تجاوز عددهم 200 ألف نازح بحسب إحصائيات للإدارة الذاتية، ممن وصلوا إلى مناطق شمال وشرق سوريا وتوزعوا في كافة المناطق والمدن فيها.
مشاهد مخيفة
إيزديئار رشو (42 عام) إيزيدي الأصل، وأب لـ 4 أطفال، من سكان مدينة عفرين بالأصل، نزح كغيره من مدينته عقب هجوم الفصائل الموالية لتركيا عليها، واستقر بقرية في بلدة الأحداث بريف حلب الشمالي.
يصف رشو رحلة النزوح الثانية من مناطق الشهباء إلى شرق الفرات “بالمخيفة والمرعبة”، بسبب تعرض الرتل الذي كان يرافقه لاعتداءات وانتهاكات من قبل عناصر الجيش الوطني الذي كان قد حاصر تلك المناطق في الأيام القليلة الماضية.
يقول لنورث برس: “في تلك الليالي المظلمة والبرد القارس، خرجنا تحت وقع الخوف، وكانت الفصائل منتشرةً على الطريق، عند وصولنا إلى أوتوستراد حلب – الباب، بدأوا بالتهجم على النازحين، شاهدنا حالات قتل واعتداءات وخطف وسرقة، وألفاظ بذيئة بحق النازحين”.
ويضيف وهو يسرد ما تذكر من كلام عناصر الفصائل “كانوا يقولوا لنا: أينما ستكونون سنأتي ونذبحكم، وقالوا لو ذهبتم للقمر لبناء دولة هناك سنلاحقكم ونمحيكم”.
إيزديئار يؤكد أن الكثير ممن كانوا معه في ذات الرتل تعرضوا لانتهاكات مباشرة من قبل تل الفصائل، وقال “رأينا على الطريق جثث لعساكر ومدنيين كانوا قد قُتلوا، وشاهدنا جثث محروقة، كانوا قد أضرموا النار بأجسادهم قبل أن نصل، قاموا بإطلاق الرصاص على السكان وقتلوا طفل بعمر 14 عام”.
هل هذه إنسانية؟
السبعيني جعفر حسين، كسابقه كان شاهداً على حالات قتل حصلت أمامه أثناء نزوحه من مناطق الشهباء إلى شمال شرق سوريا، حيث سرد لنورث برس قصتين لحالتي قتل حصلتا في ذات اليوم أثناء عبور قافلتهم من مناطق سيطرة الجيش الوطني الموالي لتركيا.
جعفر أيضاً كانت تجربته الثانية في النزوح من منزله إلى مكان آخر، حيث بعد سرده قصة نزوحه من مدينة عفرين إلى مخيم سردم بريف حلب الشمالي، تجددت معاناته ونزح مرة أخرى من المخيم إلى مدرسة باتت مركز إيواء للنازحين في مساكن البانوراما بمدينة الحسكة.
السبعيني سرد، لنورث برس، ما حدث معه وعائلته في رحلة النزوح الجديدة، قائلاً: “بالبداية هجموا على رتل الخارجين من تلك المناطق، وقاموا بالاعتداء على شخص وقتله أمامنا، وهذا الشخص كان مدنياً، لا يحمل السلاح، فما ذنبه أن قاموا بقتله هكذا”.
ويضيف: “قاموا بسرقة ومصادرة ممتلكات البعض من النازحين وطردهم من هناك، إضافة لقتلهم لشخص آخر كان قد نزح مع مواشيه، قتلوه وقاموا بسرقة مواشيه بالكامل، فهل هذه هي الإنسانية؟ هل رأيت أحداً يتصرف هكذا؟”.
ولادة أثناء النزوح
وكان لجيفارا النصيب باستقبال مولوده الجديد فور وصوله لمدينة الرقة، بعد خروجه قسراً من منزله بمنطقة احرص بريف حلب الشمالي.
جيفارا حسن (40 عام) من سكان قرية عين دارة بريف مدينة عفرين شمالي سوريا، نزح أيضاً مع عائلته إلى ريف حلب الشمالي مطلع عام 2018، وتزوج هناك وكان أباً لطفلة واحدة فقط.
يسرد حسن، لنورث برس، ما واجهوه من صعوبات وخوف على طريق النزوح من ريف حلب وصولاً إلى الحسكة، وقال “نزحنا بعد التوصل لاتفاق لإخراجنا من هناك، على الطريق قاموا بالاعتداء علينا، كانوا يعتقلون الناس من السيارات، وقتلوا البعض منا، وقاموا بتعذيب آخرين، وخطف بعض النساء من رتل السكان”.
ويضيف: “أنا بالنسبة لي حاولت سيارة عسكرية تتبع لهم أكثر من مرة أن تصدمني ولكن كنت أهرب منهم دائماً، الأمر يشبه القتل العام بحق سكان تلك المنطقة، أنا لا أستطيع وصف ما شهدناه، كانوا أشبه بالوحوش، بل الوحوش ممكن أن تمتلك الرحمة والأخلاق ولكن هؤلاء يفتقرون لذلك”.
ويذكر أن الفصائل الموالية لتركيا وصفتهم “بالخنازير” لمجرد أنهم كرد، وقالوا للنازحين أثناء مرورهم من مناطق سيطرتهم بأنهم سيلاحقونهم أينما ذهبوا وسيقتلونهم ويذبحونهم.
وتعليقاً على ازدياد عائلته فرداً أثناء رحلة نزوحهم وبأصعب حالاتهم، قال “بسبب الظروف الصعبة التي مررنا بها على الطريق، ولدت زوجتي قبل ميعادها بـ 15 يوماً، عند وصولنا لمدينة الرقة بالتحديد، وأسميت المولود الجديد روكش، أي الوجه الساطع، متأملين بيوم جديد وساطع عليه وعلينا وعلى العالم بأكمله”.