بشار الأسد الرئيس الذي تغيّر الدستور من أجله.. من البداية إلى النهاية

القامشلي – نورث برس

بعد ثلاثة وعشرين عاماً وخمسة أشهر من حكمه لسوريا، من السابع من تموز/يوليو عام 2000 وحتى الثامن من كانون الأول/ديسمبر، الأحد، انتهى حكم بشار حافظ الأسد لسوريا بدخول هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة متحالفة معها إلى دمشق.

حكم الأسد بعد وفاة أبيه حافظ الأسد، وغُيّر الدستور من أجله في اجتماع للبرلمان لم يتجاوز ربع ساعة، واعتبر الأسرع في العالم، ليصبح أول رئيس عربي يخلف والده في حكم دولة ذات نظام جمهوري.

وفي بداية حكمه شهدت البلاد شيئاً من “الانفتاح السياسي والديمقراطي عرف بربيع دمشق”، لكن سرعان ما تغيرت الأمور وبدأ “حملة إصلاحات اقتصادية لا سياسية” كما يقال، طالتها اعتقالات لمعارضيه.

وقاد ذلك إلى إشعال فتيل احتجاجات عدة منها احتجاجات عام 2004 في القامشلي وعام 2011 ببدء الثورة السورية.

المنشأ

ولد الأسد في محافظة دمشق يوم 11 أيلول/سبتمبر 1965، لأسرة تنتمي إلى الطائفة العلوية التي تنتشر في أرياف حمص وحماة ومحافظة طرطوس والتي تشكل أقلية في البلاد، ونشأ في أجواء السلطة بعد ترؤس والده البلاد في انقلاب عسكري عام 1970.

ودرس مراحله الأساسية في دمشق، ومنها نال شهادته الثانوية من مدرسة “الحرية الفرنسية” عام 1982، وبعدها انتسب لكلية الطب بجامعة دمشق وتخرج منها عام 1988.

وتطوع ضابطاً بعد تخرجه في القوات المسلحة فرع إدارة الخدمات الطبية في الأول من سبتمبر/أيلول 1985، وتخرج منها برتبة ملازم أول تحت الاختبار، وعمل بعدها طبيباً للعيون بمشفى تشرين العسكري عام 1992 قبل أن يسافر إلى لندن لمتابعة دراسته حتى عام 1994.

وعقب وفاة باسل النجل الأكبر لحافظ الأسد يوم 21 يناير/كانون الثاني 1994 استدعى الرئيس السوري ابنه بشار إلى دمشق ليؤهله لتولي الحكم بعده، فعُين فوراً رئيساً لمجلس إدارة الجمعية العلمية السورية المعلوماتية المسؤولة عن النشاط المعلوماتي في سوريا.

ورُفِّع بشار بعدها فوراً إلى رتبة نقيب في يوليو/تموز 1994 بعد انضمامه إلى صفوف الجيش السوري، قبل أن ينال رتبة رائد عام 1995، وبعدها مقدم عام 1997، ثم رتبة عقيد ركن في يناير/كانون الثاني 1999.

تولي الحكم

وبعد وفاة حافظ الأسد يوم 10 يونيو/حزيران 2000، أصدر نائب رئيس الجمهورية حينها عبد الحليم خدام مرسوما تشريعيا (9) رفّع فيه بشار إلى رتبة فريق، وعمره حينها 34 عاماً و10 أشهر، ومتجاوزا الرتب الثلاثة قبلها: عميد ولواء وعماد، ثم أصدر المرسوم (10) بتعيين بشار قائداً عاماً للجيش والقوات المسلحة.

واجتمع مجلس الشعب السوري عقب وفاة حافظ الأسد في 10 يونيو/حزيران 2000، لتعديل المادة رقم (83) من الدستور التي تنص على أن سنّ الرئيس يجب أن تكون 40 سنة، وفي تصويت استغرق مدة قصيرة جدا أصبحت المادة (83) تنص على أن سن الرئيس يمكن أن يكون 34 سنة، وهي سن بشار في ذلك الوقت، وبهذا التعديل الدستوري الذي يعتبر الأسرع من نوعه في العالم، تمكن بشار من تولي رئاسة البلاد.

وبعد انتخابه رئيساً صار بشار الأسد أول رئيس عربي يخلف والده في الحكم بدولة نظامها جمهوري، وانتخب بعدها أمينا قُطرياً لحزب البعث.

أميركا ولبنان

تأزمت في عهد بشار الأسد علاقة سوريا مع الولايات المتحدة الأميركية، وذلك بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 وبعد دخول القوات الأميركية للعراق عام 2003، حيث اتهمت واشنطن دمشق بدعم “الإرهابيين” الذين يتسللون عبر الحدود السورية إلى العراق لمحاربة قواتها.

وتأزمت علاقته مع لبنان بعد اغتيال الحريري، إذ اتهمت المعارضة اللبنانية النظام السوري وحلفاءه في لبنان بمحاولة اغتياله، لكن دمشق نفت كل تلك الاتهامات.

وتسببت الأزمة بإشعال فتيل ما عرف بـ”ثورة الأرز”، وظهر تجمع وتحالف قوى “14 آذار”، الذي طالب بخروج الجيش السوري الذي حكم لبنان وهيمن على حياتها السياسية قرابة 30 عاما.ً

وأيدت الإدارة الأميركية اتهامات اللبنانيين لسوريا بالتواطؤ في عملية الاغتيال أو التقصير والإهمال في منع وقوعها.

وصدر بعدها القرار (1559) من مجلس الأمن الدولي يطالب بخروج القوات السورية من لبنان، وأعلن بشار الأسد في 5 مارس/آذار التزامه بالانسحاب الكامل لجيشه من لبنان.

ونُفذ القرار يوم 26 أبريل/نيسان 2005، وخرجت القوات السورية تحت ضغط دولي جديد، وبعد وجود عسكري دام منذ عام 1976، وأغلق الملف الذي وكّل لبشار إبان تجهيزه للحكم، وفتح ملف متوتر جديد مع لبنان.

المعارضة

في تشرين الأول/أكتوبر 2005 أطلق المعارضون السوريين “إعلان دمشق” الذي عد أول بيان صريح ضد الحكومة، فردت الحكومة بسلسلة اعتقالات وتوقيف ومنع سفر لناشطين معارضين.

وفي مايو/أيار 2005 جدد حزب البعث ولجنته المركزية انتخاب بشار في المؤتمر العاشر، ثم أعيد انتخابه رئيساً لسوريا يوم 27 مايو/أيار 2007 وبدأ ولايته الدستورية الثانية.

وأعيد انتخابه رئيساً لسوريا يوم 3 يونيو/حزيران 2014، وقد حظيت تلك الانتخابات بسخرية من طرف اللاجئين السوريين الذين وصفوها بالعبثية، في ظل الأوضاع المأساوية التي تعيشها البلاد.

وبدأ ولايته الثالثة، ثم في 26 مايو/أيار 2021 فاز بالانتخابات الرئاسية من جديد وبدأ ولايته الرابعة وسط تشكيكات بنزاهة الانتخابات ونتائجها.

احتجاجات 15 آذار

عام 2011 وبعد انطلاق الربيع العربي، واندلاع الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن، سأل السفير الأميركي لسوريا حينها بشار الأسد “هل أنت قلق من وصول رياح التغيير إلى سوريا؟”، لكن بشار الأسد أجاب بأنه مطمئن لأن الشعب السوري يدعمه ويساند حكومته كل المساندة.

ولكن وبعد أسبوعين فقط خرجت مظاهرة في سوق الحريقة بدمشق، ثم من درعا كتب شبان عبارات ضد بشار الأسد على جدران مدرستهم، فتم اعتقالهم وتم تعذيبهم مما أشعل الانتفاضة، وخرج السوريون في عدة مدن مطالبين بالحرية والإصلاح السياسي والتغيير.

وعرض سفيراً أميركا وفرنسا على بشار المساعدة واقترحا عليه الدخول في مفاوضات مع قادة المعارضة السورية قبل تأزم الوضع، فوافق وطلب من أميركا تنظيمها، لكن السفير الأميركي في سوريا حينها قال إن النظام عرقل كل محاولات الحوار بسلسلة اعتقالات شنها ضد معارضيه.

وامتدت الاحتجاجات من ذلك الوقت، حتى صباح اليوم الاثنين، الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، وبعد أيام من بدء هيئة تحرير الشام وفصائل معارضة متحالفة معها في الثامن والعشرين من الشهر الفائت، بدأت بدخول حلب ومن ثم حماة وبعدها حمص، ومن ثم فجر اليوم إلى دمشق، وبذلك تكون قد انتهت حقبة سوريا الأسد.

إعداد وتحرير: محمد القاضي وعكيد مشمش