من تل رفعت إلى الطبقة.. رحلة نازح على دراجة نارية مع الموت
زانا العلي – الرقة
بعد رحلة نزوح طويلة وصعبة على دراجة نارية، وصل شهدار إلى الطبقة، لكنه لم يكن يعرف كيف نجا من الموت وكان يسأل سكان المنطقة الذين كانوا ينتظرونهم: “أين نحن؟”.
شهدار أوسو، طبيب أسنان من بلدة تل رفعت بريف حلب الشمالي، نزح مع قافلة سكان تل رفعت والشهباء إلى مدينة الطبقة بعد دخول فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا، ضائعًا لا يعرف الاتجاهات والمناطق.
يروي شهدار مشاهد النزوح وتفاصيل رحلته الشاقة والمريرة من تل رفعت إلى الطبقة على دراجة نارية.
ومساء أمس الاثنين، وصل الآلاف من مهجري عفرين في تل رفعت والشهباء إلى مدينة الطبقة بعد تأمين ممر إنساني لهم.
وبحسب شيخموس أحمد، مسؤول مكتب المخيمات في الإدارة الذاتية، لنورث برس، فإنه من المتوقع أن يصل 120 ألف شخص من شمالي حلب إلى شمال وشرق سوريا.
“سيقتلوننا جميعاً”
يقول الطبيب النازح لنورث برس، “قبل دخول فصائل الجيش الوطني إلى تل رفعت بساعة، توجهنا نحو منطقة الأحداث”.
ويضيف أنه عندما وصلوا إلى منطقة الأحداث، “حاصرتنا الفصائل وطلبوا منا التوجه نحو عفرين، ولكن الأهالي رفضوا، كان عددنا بالآلاف”.
ويشير إلى أن “العودة إلى عفرين تعني الانتحار لأنهم سيقتلوننا جميعًا، كما فعلوا بأهالي نبل والزهراء”.
ويتابع: “عندما اقتربنا من منطقة الأحداث، كنت أقف مع ثلاثة أشخاص، علمنا بأننا محاصرون؛ من خلفنا فصائل الجيش الوطني، ومن أمامنا عناصر جبهة النصرة”.
ويصف المشهد في تلك اللحظات، والخوف والحزن يتملكانه، ليكمل قائلاً: كان يقف بجانبي نازح مهجر من عفرين يُدعى عبد الرحمن، في الأربعين من عمره”.
ويوضح أن “المهجر الأربعيني انتحر في ظروف صعبة وتم إحضار جثته مع جثامين الضحايا إلى مدينة الطبقة وهو الآن في أحد البرادات ضمن أحد مشافي المدينة”.
ويضيف أن “عبد الرحمن مرشد هو أب لأربعة بنات”.
وأثناء مسير القافلة نحو شمال شرقي سوريا، فقد طفلان حياتهما نتيجة البرد أثناء السير على الأقدام، بالإضافة إلى شخصين مسنين كانا يعانيان من الأمراض، بحسب الطبيب.
شتائم وتهديد
يتذكر شهدار أوسو تعامل الفصائل بنبرة خوف وكيف أنه صادف مسلحي الهيئة (جبهة النصرة) على أطراف الطريق قائلاً: “كانوا جميعهم أصحاب لحى، وفي كل عشرين متر كان يقف عنصراً موجهًا سلاحه صوبنا، بعضهم كانوا ملثمين ويهتفون بـ(الله أكبر)”.
ويسترجع لأذهانه بخوف قسوة أحد مشاهد القتل عندما كان هناك، ويقول: “في منطقتي نبل والزهراء، ارتكبت فصائل موالية لتركيا مجزرة جماعية بحق سكان تلك المنطقتين لأنهم شيعة”.
وبعد مغادرة تل رفعت، اتجهت القافلة إلى حي الصناعة ثم طعانة وشمر وطريق السفيرة، فيما أبلغتهم بعض العناصر بأن منازل النازحين ومحلاتهم في تل رفعت والشهباء “تعرضت للسرقات من قبل الجيش الوطني”.
يقول “أوسو” إنه في كل محطة “كنا نتعرض للإهانات، وفي المحطة الحرارية، رأينا انتشارًا كثيفًا للمسلحين، وكانت أسلحتهم موجهة نحو السكان”.
ويضيف: كانوا ينظرون إلينا ويبصقون في وجوهنا وهم يقولون: يا خنازير جايينكم إلى منبج”.
المسلحون أصروا على أن يتوجه النازحون نحو عفرين، زاعمين أنهم سيهاجمون منبج قريبًا.
وفيما بعد المحطة الحرارية، بدأت المناطق التي تسيطر عليها فصائل الجيش الوطني الموالي لتركيا.
يصف الدكتور شهدار المشهد قائلًا: “هناك التقيت بمقاتلين من جنسيات مختلفة مثل الشيشانيين والإيغور، كانوا معروفين من ملامح وجوههم”.
ويقول: “في المناطق التي صادفنا فيها فصائل الجيش الوطني، كانوا يصوروننا وهم يشتموننا، وينعتوننا بـ (كلاب قسد)، شعرت بالذل في كل لحظة”.
ثماني ساعات
بعد اجتياز مناطق الفصائل الموالية لتركيا عند مفرق بلدة دير حافر، حيث تسيطر قوات سوريا الديمقراطية، كانت المعاملة مختلفة، ولكن “لم نكن نصدق بأننا سننجو”.
يقول الطبيب: “استغرقت رحلة النزوح ثماني ساعات مليئة بالرعب والخوف. شاهدنا الكثير من المآسي خلال الطريق”.
ثماني ساعات كانت كافية “لنعيش مع كل لحظاتها بخوف وقلق دائمين وترى مشاهد مقززة تفوح منها رائحة الموت”، على حد وصفه.
ويضيف أن الوضع في تل رفعت والشهباء كان مأساويًا.
فيما بقيت عائلات هناك ومصيرها لايزال مجهولاً، لأنها لم تملك وسائل نقل للهرب. كما أن هناك أشخاصًا مصيرهم مفقود ولا يعرف أحد عنهم شيئًا”، بحسب الطبيب.
الطبيب شهدار تزوج منذ حوالي شهر، وزوجته كانت في حلب أثناء الهجوم فيما سبقته بالنزوح نحو مدينة كوباني، ليلحق بها بعد وصوله مع قوافل النازحين إلى الطبقة.