بعيداً عن التفاصيل الميدانية التي أتخذت طابعاً أمنياً دراماتيكياً في الهجوم الذي سمي بردع العدوان، تطرح أسئلة كثيرة عن الأهداف الحقيقة لهذا الهجوم، والطرف أو الأطراف الإقليمية والدولية التي تقف خلفه، وماذا يراد منه؟ والأهم ما هو المرتجاة منه في معركة مستقبل سوريا؟
ثمة من يرى أن تركيا هي التي تقف وراء كل ما حصل ويحصل، لتحقيق جملة من الأهداف، أهمها نيل ما تريده من دمشق بالقوة بعد أن عجزت عن ذلك بالوسائل السياسية والدبلوماسية، وأنها اختارت لحظة ذهبية لتقديم أوراقها للإدارة الأميركية الجديدة، برئاسة دونالد ترامب، من بوابة القيام بدور وظيفي في ضرب النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة كما تريده أميركا وإسرائيل في إطار ممارسة سياسية امتهنتها تركيا في سياستها الخارجية، ولعل ما سبق يطرح أسئلة كثيرة فيما إذا كانت تركيا لوحدها صاحبة هذا المشروع أم أن قوى دولية كبرى مشاركة فيها؟ وعند الحديث عن القوى الدولية الكبرى تتوجه الأنظار مباشرة إلى كل من واشنطن وموسكو حيث لكل طرف محدداته.
تركيا استبقت هجوم حلب، بتحويل شوقها للتطبيع مع دمشق إلى شروط سياسية، جسدتها في القول إن النظام السوري غير مستعد للحوار والتفاهم مع (المعارضة السورية) وهو ما تجسد لاحقاً في سلسلة بيانات أميركية، تحمل دمشق مسؤولية ما حصل ويحصل، بسبب تهربها من القرار الدولي 2254 ، وإرتمائها في احضان إيران وروسيا، مشددة على القرار المذكور، وهو ما يوحي بأن الهدف الأساسي من الهجوم، تحريك المياه الراكدة التي تجمدت في الواقع السوري الصعب، وحشر النظام في زاوية ضيقة وصعبة لدفعه إلى التنازل عن نهجه السابق، جنوحاً نحو التعاطي مع جهود الحل السياسي، ومثل هذا السعي يوجه الأنظار إلى موقف موسكو، وأين هي من ما جرى ويجري ويخطط؟
في الواقع، مع أن موسكو اتخذت موقف الدفاع عن حليفها الرئيس السوري، إلا أن من راقب الموقف على الأرض، سيرى أن الرد الروسي لم يكن بمستوى ضخامة الهجوم على حلب مقارنة مع المواجهات السابقة، كما أن التحرك السياسي أتخذ طابع الإنتظار والمراقبة أكثر من الهجوم السياسي والدبلوماسي، وهو ما رسم إشارات عميقة فيما، إذا كانت موسكو على صلة بأهداف هذا الهجوم، لاسيما بعد فشل وساطتها في الجمع بين أردوغان – الأسد، ووصول مسار أستانا – سوتشي إلى طريق مسدود، كما هو حال اللجنة الدستورية، على أن يقابل ذلك مكاسب لموسكو في معركتها في أوكرانيا ومن خلفها حلف الأطلسي.
من كل ما سبق، ثمة من يذهب إلى أن الهدف الأساسي لهجوم حلب ليس إسقاط النظام أنما كسر حالة الستاتيكو التي تشكلت، تمهيداً لحل سياسي موجود على طاولة واشنطن وموسكو مع وصول ترامب إلى سدة البيت الأبيض، فيما كان الدور التركي في كل ما سبق وظيفيا، وأن الدور نفسه قد يدفع بتركيا إلى التضحية بالفصائل السورية المسلحة، لاسيما جبهة النصرة، بعد أن تكون حققت هدفها في توجيه ضربة إلى المكون الكردي في غربي الفرات، لتقول إنها قضت على حلم الكرد في الوصول إلى المتوسط كما سوقت لذلك مراراً طوال السنوات الماضية.
في الواقع، إذا كان السيناريو السابق، يقول إن هدف هجوم حلب هو كسر القواعد التي تكلست من أجل فتح الطريق أمام حل سياسي، فإن معطيات الأزمة السورية، تشير إلى أن ثمة مشهد أخر لايمكن استبعاده، وهو سيناريو التصعيد وصولاً إلى صدام أكبر، وهذا السيناريو مرتبط بإيران بالدرجة الأولى، ولعل زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي إلى دمشق ومنها إلى أنقرة، حملت رسالة مزدوجة، الأولى لدمشق بأنها ستدعمها بقوة لمواجهة هجوم حلب وتوسعه، والثانية لأميركا وإسرائيل بأنها لن تنسحب من سوريا تحت ضغط القوة، محاولاً في زيارته لأنقرة البحث عن تفاهمات ممكنة على جسد أستانا، إلا أن من الواضح أن الخلافات والتباينات كانت كبيرة وواضحة في مواقف كل من أنقرة وطهران إزاء ما يجري في سوريا، وما يراد لها في المستقبل، وإذا ما ترجمت إيران سياستها هذه في الميدان فقد نشهد مواجهة كبرى، بعد أن تحولت المناطق الواقعة بين محافظتي حلب وحماة إلى ساحة مواجهة دموية، مواجهة قد تتحول إلى معركة دامية على أبواب حلب، في ظل إعلان النظام أنه يعد لهجوم مضاد للقضاء على الإرهاب وداعميه في إشارة إلى نظام أردوغان، ومثل هذا السيناريو قد يدفع بدول أخرى للإنخراط ميدانياً في الأزمة السورية، إذ أن إسرائيل لن تقبل بوجود عسكري إيراني إضافي في سوريا، كما أن العراق قد تجد نفسها منخرطة في هذه المعركة، لا بحكم علاقتها مع طهران فحسب، بل بوصفها دولة مجاورة لسوريا وقد تصل شرارة النار إلى أراضيها في ظل تضارب الايديولوجيات وإمكانية تصادمها لأكثر من سبب وعامل.
في جميع الأحوال، من الواضح أن هجوم حلب وتوسعه إلى مناطق أخرى، نقل الأزمة السورية إلى مرحلة جديدة، إذ بقدر ما يبدو سيناريو الحل مطروحاً، وينتظر وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فإن سيناريو الصدام الكبير يلوح برأسه فوق دماء السوريين، ومستقبلهم الذي يلامس المجهول.