“تفريط بجماليتها”.. تحول الأماكن الأثرية بدمشق إلى صالات للأفراح

دمشق – أحمد كنعان

منذ أربعة عشر عاماً بدأت الحكومة السورية بتأجير الأماكن الأثرية لإقامة الأعراس والحفلات الخاصة وذلك أثناء تولي رياض نعسان آغا وزارة الثقافة في عام 2010.

ومنح آغا حينها الأذن لإقامة حفلة عرس لأحد المتنفذين في متحف دمشق التاريخي الواقع في سوق ساروجة.

وعادت هذه الظاهرة للظهور في الأشهر الأخيرة حيث أقيم عرس في خان أسعد باشا كما أقيم عرس آخر في قلعة دمشق.

واستيقظ سكان العاصمة دمشق حينها على أصوات انفجارات قوية وكان الظن أنه قصف إسرائيلي معتاد ولكن تبين أن هذه الأصوات هي مفرقعات وألعاب نارية تم إطلاقها في حفلة عرس وصف بالأسطوري.

“ابتذال يفرط بجماليتها”

يقول أحمد أبو هلال، ناقد فني، لنورث برس، إن “استغلال الأماكن الأثرية لإقامة حفلات أو ما شابه يمثل إشكالية، لأن هذا المكان الأثري له دلالة في ذاكرة جمعية وفي الخزين الروحي للشعب وللأمة وللحضارة”.

ويضيف أنه “بالتالي استغلال هذه الأماكن بشكل مبتذل واستهلاكي يفرط بجمالية المكان ويضعه في مهب الاستهلاك، وهذا المكان هو ذاكرة تاريخية وذاكرة حضارية وذاكرة وطنية”.

ويشدد أبو هلال على رفضه لاستغلال هذه الأماكن بهذه الطريقة، قائلاً: “أنا لست مع هذا على الرغم من أن بعض الصناع للدراما يستفيدون من هذه الأماكن ويستثمرونها ربما لغاية سياحة أو ترويجية ولكن الترويج الذي يأتي عبر حفلات ضيقة لحد الاستهلاك والابتذال اعتقد أنه لا يتناسب مع القيمة الحضارية لهذا المكان وروحه”.

ويبين أن “هذا المكان لا يمكن أن يكون ديكوراً على الإطلاق هذا المكان هو شاهد على عظمة أمة وعلى عظمة حضارة وعلى روح شعب، وليس مكاناً عابراً لمن يريد أن يقيم فيه حفلات وأعراساً”.

“ملكاً لكل الشعب”

تقول روعة سنوبر، كاتبة من دمشق، إنها ضد إقامة هكذا فعاليات وبالأخص الأعراس في الأماكن الأثرية بمدينة دمشق

وتضيف لنورث برس: “أن هناك أشخاص يعيشون تحت خط الفقر ويراقبون هذا البذخ وفي أماكن تعتبر ملكاً لكل الشعب”.

وتذكر أن “هذا يوضح الشرخ الحاصل بين فئة من الشعب تعيش فوق وأخرى تعيش تحت وهذا غير مقبول رغم انه موجود”.

وتشير الكاتبة إلى أنها مع إقامة فعاليات ثقافية ومهرجانات تدعم الاقتصاد كمهرجانات الفنون التشكيلية ومهرجانات غنائية هادفة.

وتبين أن “هذا الأمر قد يشجع السياحة بطريقة تشعر السكان بأن هذا المكان ملك لهم وليس حكراً على طبقة معينة بحيث يشعرون أن هذا الإرث لم يعد يعنيه وسيشعر أنه غريب في بلده”.

“تجار حرب وخونة”

ويرى سامر منصور، ناقد وصحفي من دمشق، أن تأجير القصور والمجمعات الأثرية هي عادة رأسمالية “ففي بريطانيا يتم تأجير قصور النبلاء والعائلة المالكة لإقامة الحفلات، ولكننا في وعينا الجمعي نفارق الأنظمة الرأسمالية”.

ويذكر لنورث برس، أنه “على سبيل الاستثناء أنا لست ضد تأجير هذه الأماكن لعائلات عريقة لها إسهاماتها التاريخية حيث يتماهى المكون البشري مع المكون المكاني”.

ويضيف: “أما تأجيرها لمن يدفع عموماً ويجعلها سلعة هو إزهاق لروحها المعنوية والجمالية والحضارية”.

ويوضح منصور أن الحرب انتجت شريحة من محدثي النعمة “وهم تجار حرب تاجروا بالاحتكار وبمسائل غير شرعية وبالتالي هؤلاء عندما يدخلون الأماكن الأثرية هم لا يدركون قيمتها”.

ويبين: “لأنه ساهم بالكسب غير المشروع الذي يصل لدرجة الخيانة، وهذا سيجلب معه إلى هذا المكان الأثري ذائقته الرديئة”.

ويشير إلى أنه “قد يستخدم في حفلته من هم ليسوا بفنانين وبالتالي يسيء لعراقة هذا المكان الذي احتضن قامات كبيرة وفعاليات كانت امتداداً حضارياً لهذا المكان بروحه العظيمة”.

وكانت قلعة دمشق قبل أن تتحول إلى صالة أفراح شهدت عدداً من المهرجانات الفنية والثقافية والحفلات الفنية الراقية ما قبل عام 2011، إذ قدم فيها الفنان زياد الرحباني آخر حفلاته عام 2008.

تحرير: محمد القاضي