“صفر ميزانية”.. كارثة بيئية تهدد شمال شرقي سوريا

القامشلي نورث برس

تعاني مناطق شمال وشرق سوريا، لا سيما الجزيرة، من تدهور بيئي خطير نتيجة الظروف الصعبة التي مرت بها المنطقة بعد اندلاع الحرب السورية، وتأثرت البيئة سلباً بسبب العديد من العوامل المتداخلة بشكل مباشر وغير مباشر.

وفي بداية الحرب، اعتمد سكان المنطقة على قطع الأشجار كوسيلة للحصول على الطاقة والتدفئة، نتيجة انقطاع الكهرباء والمحروقات، هذا الأمر أدى إلى تدمير كبير للغطاء النباتي في المنطقة، خاصةً وأن الجزيرة كانت تضم محميات وغابات طبيعية منذ القدم.

أضرار جسيمة

وتفاقمت المشكلات البيئية مع استمرار الصراع في سوريا، حيث أدى الحصار وانقطاع المواد الأولية إلى استخدام الحراقات البدائية لإنتاج المازوت بجودة رديئة لتشغيل الكهرباء.

كما يمر من وسط مدينة القامشلي نهر جغجغ الذي تحول خلال السنوات الأخيرة إلى مكب للنفايات ومكاناً لتجمع الملوثات والقمامة ما ينذر بازدياد معدلات الإصابة بالأوبئة والسرطانات.

كما تسبب قطع تركيا للمياه عن المنطقة، في إحداث أضرار جسيمة على صحة السكان، جميع هذه العوامل باتت عائقاً كبيراً أمام الوصول إلى حلول بيئية مستدامة والنهوض بواقع بيئي متقدم بحسب مسؤولين في الإدارة الذاتية.

وخلال السنوات الماضية، شهدت منطقة الجزيرة تعرض ما يقارب 95% من الغابات والمحميات الطبيعية للضرر أو للتدمير وفق الرئيس المشارك لهيئة البيئة في مقاطعة الجزيرة محمد أحمي.

ويقول أحمي، لنورث برس، إن “نسبة قطع الأشجار وصلت إلى 90% في المناطق التي كانت قريبة من المدن والمناطق المأهولة بالسكان”.

ويضيف أن “جبل كزوان (عبدالعزيز) في الحسكة تحول من غابة كان يقصدها السكان إلى منطقة شبه صحراوية”.

ويشير إلى نماذج أخرى كمحمية مزكفت، وسد سفان، وجل آغا (الجوادية) بريف القامشلي الشرقي “التي كانت على زمن أجدادنا وآبائنا مليئة بالأشجار رغم منع الحكومة السورية حينها زراعة الأشجار في المناطق الزراعية”.

كارثة مرتقبة

يبين “أحمي” أن جميع هذه الأسباب أدت إلى وصولنا في الوقت الراهن إلى وضع بيئي متأزم بشكل كبير ولا يقل أهمية عن الحرب الدائرة في عموم منطقة سوريا”، على حد وصفه.

ويحذر الرئيس المشارك لهيئة البيئة في مقاطعة الجزيرة من كارثة بيئية مرتقبة في المستقبل في حال لم يتم وضع حلول مستدامة لهذه المشاكل.

ويضيف أننا أمام حالة “ستتفاقم أكثر في المستقبل نتيجة الضرر الكبير الحاصل على البيئة والحصار المفروض والهجمات التركية المستمرة على المنطقة”.

كما يشير إلى أن نسب الدخان المتواجدة في الهواء نتيجة استعمال المولدات والحراقات البدائية تزيد من معدلات الإصابة بالأمراض التنفسية.

ويقول إن “استمرار الهجمات والحصار بدون إدخال أي مواد بديلة للمواد الحالية التي نحن مجبرون على استعمالها في المنطقة ينذر بكارثة بيئية لا تحمد عقباها”.

ويرى المسؤول البيئي في الإدارة الذاتية أن الكارثة البيئية التي من المحتمل أن تحصل في مناطق شمال شرق سوريا ستؤثر على جميع دول المنطقة.

ويبين أنه لم تقتصر الأضرار على الغابات والمحميات فحسب، “بل امتدت لتشمل كافة الظواهر البيئية، بالإضافة إلى تراجع الوعي البيئي بين السكان نتيجة الظروف الاقتصادية”.

ويقول أحمي في هذا السياق، إن “المشاكل البيئية لا تزال كبيرة بالرغم من الجهود المستمرة فيما انشغال السكان بظروف الحرب والحصار والأزمة الاقتصادية أدت إلى تراجع الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة المحيطة”.

فيما يقول مسؤول قسم النظافة في بلدية الشعب في القامشلي محمد شفيق، لنورث برس، إن أبرز الصعوبات التي تواجهنا هي غياب التعاون من قبل السكان”، مضيفاً أنه “في حال ساعدنا السكان سنتفادى التلوث بشكل كبير”.

ويشير إلى أنهم قبل فترة قاموا بتحديد أوقات محددة لوضع النفايات في الحاويات والأحياء ووزعوا بطاقات تحدد وقت إخراج النفايات وهي من السابعة مساءً وحتى السابعة صباحاً فقط.

ويقول إنهم لم يروا أي مساعدة من السكان، مضيفاً: “لا نملك الآليات والعمال والعدد الكافي ونطالب مجالس الأحياء بإيصال صوتنا للسكان بمساعدتنا في نظافة المدينة”.

ويشير شفيق إلى أنه “رغم عمل نحو 225 عامل نظافة في مدينة القامشلي وحدها بشكل يومي إلا أن القمامة لا تزال منتشرة في الشوارع والأحياء ما يؤدي لتفاقم المشاكل البيئية في المنطقة”.

صفر ميزانية

يقول الرئيس المشارك لهيئة البيئة في مقاطعة الجزيرة، محمد أحمي، ” نحاول دوماً وضع الحلول لكن دوماً ما نواجه تحديات وعقبات تعترض عملنا”.

ويضيف أن “الهجمات التركية على المنشآت والبنية التحتية تسببت بعجز كبير في ميزانية الإدارة الذاتية والآن هيئة البيئة بدون أي مشروع ولا ميزانية”.

ويشير إلى أن الميزانية القليلة الموجودة تصرف على تقديم الخدمات لتوفير أبسط مستلزمات الحياة للسكان”.

ورغم هذه العقبات تمكنت هيئة البيئة سابقاً من تنفيذ عدة مشاريع يتحدث عنها “أحمي”، قائلاً: “قمنا بعدة مشاريع لحماية لإعادة إحياء المحميات على سبيل المثال في سد مزكفت وكذلك سد سفان قمنا بإنشاء الغابات وزراعة الأشجار”.

ويذكر أنهم بشكل سنوي في مواقيت زراعة الأشجار يمنحون أشجار بشكل مجاني للمؤسسات والذين يقومون بتقديم الطلب إلى هيئة البيئة بحسب الأنواع المتوفرة.

كما يبين أنهم قاموا في السابق بتحويل مكب نافكوري غرب القامشلي الذي كان يشكل معضلة كبيرة للسكان إلى غابة صناعية تحوي 4000 شجرة حالياً”.

يذكر أن الإدارة الذاتية استحدثت هيئة للبيئة للعمل بشكل مستقل خلال العام المنصرم بعد أن كانت مديرية تعمل ضمن هيئة الإدارة المحلية والبلديات، فيما غياب الاستقرار وظروف الحرب تحد من إمكانياتها في النهوض بواقع بيئي صحي.

ويشدد المسؤول البيئي في الإدارة الذاتية إلى أنهم يطمحون إلى تحسين الواقع البيئي وإصدار قرارات أكثر مسؤولية “لكن في ظل عدم الاستقرار والهجمات المستمرة الحالية نلاقي صعوبات وعراقيل كبيرة ونعول على المجتمع في تحسين البيئة”.

تحرير: خلف معو