غرفة – نورث برس
يذهب محللون سياسيون في قراءتهم لمستجدات ملف التقارب السوري التركي إلى أن روسيا ليست جادة في مساعيها للتطبيع، وأن أنقرة قد تحقق شرط دمشق، ولكن الانسحاب الكامل دون تحقيق ضمانات أمنية يعد مخاطرة بالنسبة لها.
ومطلع الشهر الجاري أعلنت الخارجية الروسية توقّف مفاوضات التطبيع بين تركيا والحكومة السورية، بسبب الخلاف على مسألة سحب أنقرة لقواتها من الأراضي السورية.
وجاء ذلك على لسان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف في مقابلة لصحيفة “حرييت” التركية.
وأوضح لافروف حينها، أنه في الوقت الذي تطالب فيه الحكومة السورية بتوضيحات حول مسألة انسحاب أنقرة أراضيها، تؤكد الأخيرة التزامها بوحدة الأراضي السورية وسيادتها، معربة عن استعدادها لمناقشة موضوع الانسحاب في وقت لاحق.
خلاف يعكس تعقيدات سياسية
يقول المحلل السياسي والدبلوماسي السوري السابق بشار الحاج علي، إن الخلاف حول سحب القوات التركية يعكس تعقيدات سياسية وأمنية كبيرة تحتاج لمزيد من الوقت والمرونة في التفاوض.
ويضيف لنورث برس، أنه إلى جانب ذلك “هناك عوائق من جانب النظام السوري الذي ربما يواجه ضغوطاً من حليفته إيران، والتي تعارض أي خطوة قد تحد من نفوذها على النظام”.
وهذه العوامل تجعل المشهد أكثر تعقيداً وتستدعي دوراً أكبر من الوساطات الروسية.
ونهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إنه طلب من نظيره الروسي فلاديمير بوتين، اتخاذ خطوات لضمان استجابة رئيس الحكومة السورية بشار الأسد، للدعوة التركية بمسار تطبيع العلاقات بين الجانبين.
ويرى السياسي السوري أنه من المحتمل أن يتم التوصل إلى “اتفاق مرحلي يشمل انسحاباً جزئياً للقوات التركية من بعض المناطق، مع بقاء قواتها في مواقع استراتيجية لحين تحقق شروط معينة تتعلق بالأمن والاستقرار”.
ويعتقد إن الرئيس التركي يوازن بين حرصه على وحدة الأراضي السورية وضمان مصالح تركيا الأمنية، وهذا يعني بقاء القوات التركية في سوريا يُعتبر ضمانة لتعزيز نفوذها في أي تسوية مستقبلية، لذلك الانسحاب الكامل دون تحقيق ضمانات أمنية يعد مخاطرة بالنسبة لأنقرة.
ويضيف الحاج أن “أنقرة تسعى لضمان أمن حدودها واستقرار المناطق المحاذية لها، إلى جانب عودة اللاجئين السوريين بطريقة تحفظ مصالحها الداخلية”.
ولكنها تطمح أيضاً لأن تكون جزءاً من أي تسوية سياسية تضمن دوراً للمعارضة السورية بما يتماشى مع قرارات الأمم المتحدة.
التطبيع ممكن
يرى الدكتور نصر اليوسف، وهو محلل سياسي سوري يقيم في العاصمة الروسية موسكو، أن تركيا تريد أن يكون حدودها الجنوبية كلها على امتداد الحدود مع سوريا آمنة.
ويضيف اليوسف لنورث برس، أن “وجود منظمات تعتبرها إرهابية، من المؤكد لا يرحيها، والجميع يعلم أن الدولة السورية لا تستطيع أن تفرض سيطرتها وتضمن الحدود مع تركيا”.
ويشير إلى أنه “طالما أصدرت تصريحات من الجانب التركي أنه في حال أصبحت الدولة السورية، قادرة على ضبط كل حدودها ستنسحب”.
يقول اليوسف إن “هناك منظمات إرهابية معادية للجميع تركيا وللحزب العمال الكردستاني والنظام، وهؤلاء يلعبون لعبتهم الخاصة بهم”، مضيفاً لذلك تركيا لا تستطيع حاليا سحب قواتها لأن “هذه الحدود لن تكون مضمونة إذا سلمت للنظام الأسدي”.
وعندما تكون روسيا جادة في موضوع التطبيع فإنها قادرة على أن “تأمر بشار الأسد أمراً وليس اقناعاً” يضيف المحلل السياسي.
ويعتقد اليوسف أن المماطلة الروسية ربما تكون ورقة لأفهام تركيا، “كما أنا بحاجة لكم أنتم أيضا بحاجة لي، وروسيا ليست جادة مئة بالمئة”، مضيفاً، أن التطبيع سيكون ممكناً لأن “بشار بدأ يتحرر من تبعية إيران الكلية ويمكن في وقت ليس ببعيد أن يحصل التطبيع”.
فيما يرى الدبلوماسي السوري السابق، أن تحقيق التطبيع ليس مستحيلاً ولكنه مشروط بتنازلات من الطرفين؛ نجاحه يعتمد على التفاهمات بشأن الوجود العسكري التركي وضمان مشاركة المعارضة السورية في أي حل سياسي مستقبلي، وفقاً للقرارات الأممية.
مصالح روسية
يؤكد الدبلوماسي السوري السابق، أن روسيا ستواصل محاولاتها نظراً لأهمية تحقيق استقرار إقليمي يضمن مصالحها الاستراتيجية في سوريا، فالتقارب بين أنقرة ودمشق يعزز نفوذ موسكو في المنطقة، ويقلل من احتمالية التدخلات الغربية.
ويرى الحاج أنه مع ذلك “ستحتاج موسكو إلى التعامل مع التحديات التي تفرضها إيران والحرص على موازنة المصالح بين حلفائها”.
وروسيا ترى في إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة “فرصة لتقوية محور حلفائها الإقليميين وتحقيق استقرار يضمن الحفاظ على النظام السوري” وفقاً لـ الحاج.
ويضيف أن تطبيع العلاقات “يمكن أن يسهم في خفض التصعيد العسكري وتوجيه التركيز نحو إعادة الإعمار، وإيجاد حلول سياسية تُبقي روسيا في دائرة النفوذ وتعزيز حضورها الدولي”، علاوة على ذلك، التقارب قد يساعد في تقليص نفوذ إيران في سوريا، “ما يمنح روسيا مساحة أوسع للتحكم في التوازنات الإقليمية”.