بين دمشق وتل أبيب صفقة أم هدوء حذر؟

منذ حضور سلطة دمشق، في المنامة، في قمة الجامعة العربية الثالثة والثلاثون ولليوم، ونظام دمشق يلوذ بالصمت! وذلك رغم كل ما يحدث في المنطقة من متغيرات عسكرية واسعة تحمل بين طياتها مؤشرات تنذر بخطر كبير. فإن كان تجنب الخوض في متغيرات المنطقة وتحولاتها الإقليمية المتسارعة، والتي قد تكون مفصلية في مستقبله، لكن أن تنكشف المنطقة برمتها أمام خيارين لا ثالث لهما: إما إيراني أو إسرائيلي ويبقى نظام دمشق على صمته، وهو الحليف العضوي لإيران وميليشياتها تحت عنوان محور الممانعة والمقاومة، فهذا ما قد ينبئ بما خلف الستارة وما قد تحيكه الغرف السوداء والمظلمة!

في سيرورة المشهد السياسي لنظام دمشق ومواقفه الواضحة من المتغيرات الإقليمية، يمكننا أن نتابع ما يلي:

  • منذ أكتوبر العام الفائت ومنطقة الشرق الأوسط تشهد تحولات جسيمة، كانت بدايتها بما عرف بانه طوفان الأقصى، والذي أدى لاجتياح إسرائيل لغزة والعمل على اجتثاث حماس ودمار وتهجير سكان غزة بالكامل. فيما التزم ما سمي محور المقاومة متمثلاً بطهران ودمشق وحزب الله الصمت والإعلان أن لا علاقة لهم بما فعلته حماس! ليتضح التخلي الكلي عنها كحليف ليواجه مصيره المفرد، وليس فقط، بل الصمت المطبق عن موت أطفال غزة ونساؤها وناسها، والتي يبدو أنها لا تعني سياسات المقاومة المزعومة بقدر أنهم مادة للتجارة الإعلامية وحسب!
  • لم تتوقف سلسلة الاغتيالات والتصفيات المتتالية التي تطال مقربين من نظام دمشق الآونة الاخيرة، صنفت على أنها عمليات تقوم بها إيران في قلب دمشق بتهمة إعطاء الاحداثيات لإسرائيل لتنفيذ عملياتها لاستهداف قيادات الحرس الثوري فيها، ونظام دمشق الرسمي صامت ويكتفي بالنعوات حادث إثر حادث!
  • انتقال كرة النار للجنوب اللبناني وقلب العاصمة اللبنانية بيروت واجتثاث قيادات حزب الله بشكل سريع وخاطف بدءاً من أكتوبر الجاري، واستمرار الحملة على ما تبقى من ميليشياته ومصادر تمويله وخطوط دفاعه ونظام دمشق صامت أيضاً، وهو الذي استقدم حزب الله لداخل سوريا معتبراً إياه حليفه الاستراتيجي في الحرب على السوريين وترحليهم وتهجيرهم من بيوتهم وحواضرهم والعمل على التغيير الديموغرافي في دمشق وريفها وحلب وغيرها.
  • ولم يتوقف المشهد خارج سوريا، فالأخبار تشير لتغلغل إسرائيلي بري في القرى المحاذية لإسرائيل في الجولان السوري ونظام دمشق وكأنه لا علم ولا خبر. والقادم ربما أخطر.
  • ولليوم ومنذ سنين يحتفظ نظام دمشق بحق الرد على سلسلة الهجمات العسكرية الجوية التي تنفذها اسرائيل وتطال الداخل السوري ومواقع الجيش والنظام وأي موقع مدني كالمطار أو الأبنية السكنية، والتي جميعها تشير لاستكمال إسرائيل اجتثاث قيادات حزب الله والميليشيات الإيرانية في محيطها الحيوي. وجميع هذه العمليات اذ تشير بالمبدأ لزيف ادعائه بحق الرد ولكنها بالأساس تعني انكشاف المجال الجوي السوري ويبدو أنه برضا من النظام نفسه ومن خلفه الروس.

لازال السوريون لليوم يتذكرون ما قاله رامي مخلوف، والذي تخلت عنه دمشق عام 2020، ببدايات الثورة السورية قوله: أمن إسرائيل من أمن دمشق! والتي كانت الإشارة الأكبر لوجود تفاهمات خلفية بين دمشق وتل أبيب، وقد تصل لصفقات أكبر، وهذه التي لا يمكن كشفها إلا ان كشفتها احدى الأطراف للعلن. ولكن ومع هذا فإن الإشارات السابقة تدلل على ما يفتح المجال الواسع للتساؤلات الشعبية أبرزها أن من يحمي هذا النظام لليوم من السقوط هو تل أبيب، فكيف وإن كانت كل من موسكو وتل أبيب متفقتان على مجريات الاحداث السورية خلال السنوات المنصرمة. فما جرى للشعب السوري من تهجير وقتل جماعي قامت به روسيا وإيران بالتعاون مع النظام، كانت ولازالت إسرائيل هي المستفيدة منه خاصة بأنه يعني سوريا أقل من الصوملة، ومن الصعوبة بمكان استرداد قواها الذاتية كدولة لأمد طويل ما يعني محيط إسرائيلي آمن دون تعب منها.

الموقف السوري الواضح يعني أن ما كان يسمى بوحدة ساحات المقاومة والممانعة أصبحت ساحات مجزئة ومفتوحة أمام التوجه الإسرائيلي لاجتياح المنطقة برمتها ساحة تلو ساحة. وما أن تبدأ ساحة بالثبات وفق ما تقتضيه المصلحة الإسرائيلية حتى تنتقل لساحة جديدة، ويبدو أن التوجه باتجاه الداخل السوري بات أمراً قيد التنفيذ لتقليم أظافر الميليشيات الإيرانية وفرض معادلات جديدة في سوريا والشرق الأوسط. فحيث أن طهران تعلن جهاراً تفاوضها على ملفاتها النووية والعقوبات الاقتصادية الموقعة بحقها ويبدو أنه ثمن صمتها عما يجري، لكن استمرار دمشق بالصمت قد يعني تفاديها لأن تكون الهدف التالي لإسرائيل، وبالضرورة إما عليها المواجهة وهي غير القادرة على ذلك خاصة وهي تضحي بحلفائها الواحد تلو الآخر، أو أنها تعمل على إتمام صفقة ما مع تل أبيب.

ما جرى مع حزب الله وظهور فائض التفوق التقني والعسكري الإسرائيلي يفيد بسهولة انهاء نظام دمشق إن أرادت إسرائيل، طبعاً ولن يكون هذا إلا بالتفاهم مع الروس. لكن اتضاح أن التفاهم الروسي الاسرائيلي أكثر وضوحاً على اخراج الميليشيات الإيرانية من سوريا، وأقله من محيط إسرائيل الحيوي بالجنوب السوري. وهو ما يضع نظام دمشق في مأزق فعلي، فهو الحليف العضوي لطهران وتخليه عنها لن يمنع طهران بالتضحية به كحماس وحزب الله مقابل مصالحها. وبقائه على تحالفه العضوي مع طهران سيجعله الهدف القادم لإسرائيل! فعلى أي الجانبين سيميل؟ ما يرجح إمكانية حدوث صفقات ما تحت الطاولة كالتضحية بما تبقى من جبل الشيخ وربما الجنوب السوري برمته مقابل صفقة سلام ما مع إسرائيل والحفاظ على معادلة التوازن مع طهران في ذات السياق بما يتبقى لها من ميليشيات في سوريا ولكن البعيدة عن المحيط الحيوي لإسرائيل. وربما قد تنفلت المنطقة برمتها على حرب إقليمية واسعة بين إيران وإسرائيل وتلك حينها معادلة أخرى!

“الطغاة يجلبون الغزاة” مقولة عبد الرحمن الكواكبي التي تفسر ما حصل وما قد يحدث للسوريين بقادم الأيام، فنظام دمشق الديكتاتوري الذي لم يتوانى يوماً عن قمع وقتل وتهجير شعبه، باع سوريا بالقطعة للروس والإيرانيين مقابل البقاء بالسلطة، ومن غير المستبعد أن يبيع أي بقعة من سوريا ليبقى حاكماً. وأي حكم يقوم عليه، سوى الجريمة المتوالدة والمزيد من التشظي والهدم الوطني، وكأن لعنة التاريخ ومكره حطت في سوريا ولن تتوقف إلا بزوال هذا النظام… فيما عدا هذا فالسوريون الذين ما زالوا يمسكون على جمر وطنيتهم وفحواها الحاضر والمستقبل يترقبون المشهد الإقليمي بحذر شديد، فجميع المشاريع الخارجية كانت ولازلت تأتي على حساب حياتهم ومستقبلهم ولم ولن يكون أداة لاحداها، وربما القادم أخطر، فهل ثمة صفقة ما أم هدنة مؤقتة، لا اظن أن كشفها ببعيد.