القامشلي.. غياب المراكز المتخصصة يفاقم معاناة أطفال من ذوي الاضطراب اللغوي

زينه عبدي – نورث برس

يعاني باز إبراهيم (5 أعوام) من اضطرابات لغوية منذ ثلاث سنوات، فيما قلة الإمكانيات المادية ونقص المراكز المتخصصة في القامشلي يفاقم معاناة الكثير من العوائل السورية شمال شرقي البلاد.

والاضطرابات اللغوية لدى الأطفال تكون مصاحبة للتأتأة والتلعثم أو تشويه نطق الكلمات وتأخرها وقد أصبحت حالة شائعة في العقد الأخير بمدينة القامشلي وفق طبيب للأطفال بمدينة القامشلي.

ويشير طبيب الأطفال أحمد الصالح، لنورث برس، إلى أنها من أكثر الأمراض التي يصادفها في عيادته بمدينة القامشلي، وأن هناك نسبة كبيرة من الأطفال يشتكون من هذه الحالة، التي يمكننا تسميتها بمرض العصرعند الأطفال، على حد وصفه.

العلاقة بين اللغة والسلوك

يرافق تأخر النطق لدى الأطفال اضطرابات سلوكية, وبدت علاماتها على الطفل باز وهو بعمر السنة والنصف، حيث كان بحالة طبيعية في البداية، حسبما تقول ماردين مراد (والدة باز).

وتشير مراد، لنورث برس، إلى أنه لم تلاحَظ عليه أية اضطرابات مرافقة للنطق والتأخر اللغوي إلا بعد إصابته بفيروس كورونا واستخدامه المفرط لأجهزة الموبايل، على حد قولها.

وتضيف والدة باز، ماردين مراد وهي من سكان مدينة القامشلي، لنورث برس: “بعد إصابة ابني بفيروس كورونا قبل سنتين عام 2022، أثيرت لديّ شكوك حول ما ينطقه”.

وتقول إنه تبين لها فيما بعد شفائه من كورونا وجود اضطرابات سلوكية مرافقة لتأخر النطق، وصار عصبياً ويصرخ في كل الأوقات وباتت نظراته غريبة يصاحبها الكثير من الشرود، حسب وصفها.

فيما يقول الطبيب أحمد الصالح, المختص بالأمراض العصبية لدى الأطفال, لنورث برس، إن “تأخر النطق هومن العلامات الشائعة عند الأطفال الذين لديهم اضطرابات في اللغة أو السلوك، ولكن ليس كل طفل يعاني من التأخر بالنطق أن تكون لديه مشكلة سلوكية”.

ويبين أن الطفل الذي يعاني من نطق تعبيري ليس له علاقة بالاضطرابات السلوكية، بينما يشير إلى أن معظم الأطفال الذين لديهم مشكلة سلوكية أو لغوية يكون لديهم تأخر بالنطق أو اضطرابات لغوية”.

ويوضح أنه عادة توجد أعراض مرافقة, مثل بطء الاستجابة للأوامر و لديه حركات رتيبة وبطء التواصل البصري والاجتماعي والتركيز وعدم القدرة على اللعب الوظيفي بالإضافة إلى المزاجية والعصبية و الانعزالية .

نقص الكوادر المختصة

تقول ماردين مراد (أم باز) إنها حاولت في اليوم الأول من ظهور تلك الاضطرابات على ابنها بمراجعة أحد المراكز المختصة في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق (مكان إقامتها آنذاك) لتلقي العلاج.

وتضيف أن مشاعر الخوف والقلق سيطرا عليها من عدم إمكانية معالجة ابنها، بسب التكاليف الكبيرة في مراكز الإقليم، بالإضافة إلى غياب الكادر المختص والمهني، على حد قولها.

فيما قبل نحو عام وتحديداُ في الـ 20 من تشرين الأول/أكتوبر 2023, عادت برفقة باز إلى مدينة القامشلي بعد أن تعرفت عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي على “حنين” للتخاطب وتنمية مهارات الطفل في القامشلي للبدء برحلة العلاج.

وتقول: إن “باز كان يسبب لي الإزعاج في البداية لأنه لم يكن قادراً على الكلام، وصار عصبياً ويصرخ في كل الأوقات، ولكن بعد مراجعتي للمركز وخلال 6 أشهر فقط، طرأت عليه تغييرات”.

مبينة أن تلك التغييرات كانت متعلقة بتحسين سلوكياته العامة، كما أن نطقه بات أقرب للحالة السليمة بشكل كبير مقارنة بوضعه الأولي، على حد وصفها.

وتقول أمينة يوسف، مديرة مركز علاجي لاضطرابات اللغة في القامشلي، والذي أنشئ عام 2020، لنورث برس، إن افتقار منطقة الجزيرة للمراكز والكوادر المختصة تشكلان تحدياً كبيراً أمام هذه المشكلة.

وتبين أنه علاوةً على ذلك فإن الظروف المادية الصعبة لنسبة كبيرة من العائلات والتي من شأنها إبعاد تفكيرها عن معالجة أطفالها الذين يعانون من هذه الاضطرابات، بحسب “يوسف”.

وتشير إلى أن الخدمات المقدمة دون المستوى المطلوب لقلة الدعم من الجهات المحلية أو الإدارة لها، وأنها مراكز مكلفة وتتطلب طاقات كبيرة وبالتالي تكون تكاليفها عالية على الأهل.

فيما تقول سولين عمر، متخصصة في الكلام واللغة، لنورث برس، إنَّ :”المراكز الموجودة في منطقتنا تفتقر إلى الكوادر المختصة بسبب غياب اعتماد هذا التخصص ضمن الجامعات لدراستها”.

وتضيف أن هذا الأمر “يشكل سبباً رئيسياً لمعاناة المنطقة والأهالي من غياب المختصين في هذا المجال ويشكل عائقاً لهم لعلاج أطفالهم”.

و تشير إلى احتياج المراكز الموجودة للتخصصات ذات الصلة بالنفس الحركي والعلاج الوظيفي وتقويم الكلام واللغة واختصاص السمعيات”.

علامات حمراء وخطط علاج

يبين الطبيب أحمد الصالح، أنه ليس كل تأخر في النطق حالة مرضية، وهناك علامات تسمى بالعلامات الحمراء وهي تدل على تأخر النطق في حالات معينة.

ويضيف الصالح، لنورث برس، أن أبرز هذه الحالات “إذا لم يتلفظ الطفل بأي مقطع صوتي مثل (با أو ما أو دا) بعمر السنة، أو أية كلمة واضحة مثل بابا أو ماما بعمر السنة والنصف، أو التحدث بلغة غير مفهومة بعمر السنتين والثلاث”.

ويوضح طبيب الأطفال أن هناك ثلاثة حالات لتأخر النطق وهي (تأخر نطق تعبيري، تأخر نطق استقبالي وتأخر نطق ثانوي).

 ويشير إلى أنه في حالة تأخر النطق التعبيري يكون الفحص والتجاوب طبيعي ولكنه يتأخر بالنطق و هذا النوع الأسلم الذي يستجيب للعلاج، وفي حالة تأخر النطق الاستقبالي يكون هناك مشكلة بالسمع لدى الطفل.

بينما حالة تأخر النطق الثانوي، هي مشكلة ولادية (نقص الأكسجة أو تشوهات في الفم أو الحنجرة أو الدماغ ) وقد يسبب التوحد أو متلازمات أو مشاكل دماغية أو قلة الانتباه أو فرط النشاط.

وتقول أمينة يوسف، إن مركزهم الخاص بمعالجة الأطفال من ذوي الاضطرابات اللغوية يقدم “خدمة تقييم مهارات الطفل وتحديد نقاط الضعف والقوة لديه”.

كما “يوفر المركز تقديم ووضع خطط علاجية فردية وتعليمية تناسب مستوى الطفل لتنمية وتطوير مهاراته”، على حد قولها.

وتشير إلى أن هناك استكمال للتشخيص الطبي وهي “مرحلة العلاج التأهيلي ضمن المركز وذلك حسب الحالة إما من خلال دوام الطفل بشكل يومي في المركز أو عبر جلسات خاصة فردية”.

بينما تقول سولين عمر المتخصصة بالكلام واللغة، إنه لا توجد خطة علاجية موحدة تطبق على كافة الحالات، بينما الخطة العلاجية “يتم اعتمادها بعد جلسة التقييم والتشخيص للأطفال حسب الأعراض والاحتياجات ومسبب الاضطراب”.

مبينة أن “علاج هذه الحالات هو علاج سلوكي، إلا إذا كان هناك مسبب عضوي أو مشكلة عصبية تتم معالجتها ومن ثم يتم تطبيق العلاج السلوكي”.

فيما يؤكد طبيب الأطفال أن الخطة العلاجية تعتمد على السبب وتختلف باختلافه, قائلاً: “إذا كانت هناك مشكلة دماغية لها خطة خاصة، أو تأخر نطق استقبالي فعلاجه سماعات طبية أو زرع حلزون”.

كما يشير هو الآخر إلى أنه “إذا كانت الحالة داء التوحد أو اضطرابات في السلوك فيعالج بمراكز التأهيل أو من خلال إبعاد الطفل عن التلفاز والموبايل ووسائل التواصل” .

ويطالب عوائل الأطفال الإدارة الذاتية والمنظمات المحلية والدولية بتقديم الدعم لمشاريع إنشاء مراكز متخصصة بكوادر مهنية من أجل تأهيل الأطفال وتنمية مهاراتهم.

تحرير: خلف معو