عائدون من لبنان.. مخاوف نازحين سوريين من نزوح آخر جراء التصعيد التركي
سامر ياسين – الحسكة
ترك محمد شيخو منزله في الضاحية الجنوبية بلبنان، بكل ما يملكه من ذكريات وممتلكات بناها واشتراها واحدة تلو الأخرى، على مدى أحد عشر عاماً عقب الهجمات الإسرائيلية على مواقع حزب الله، في ذات المنطقة التي كان يقطنها شيخو.
وحتى مطلع الأسبوع الجاري، سُجل نزوح 21.128 ألف لاجئ سوري فروا من لبنان، توفي منهم 28 شخصاً، إلى جانب نزوح 86 لبنانياً، وذلك وفق خلية الأزمة التابعة الإدارة الذاتية والمختصة بشؤون القادمين من لبنان.
محمد شيخو (56 عاماً)، عائد من لبنان وهو نازح سوري من سكان مدينة الحسكة، يعاني من الشلل النصفي منذ سنوات طويلة إثر إصابته بطلق ناري في ظهره عام 1987.
كان قد لجأ إلى لبنان في بدايات الأزمة السورية بحثاً عن فرص للعمل هناك، واستقر في منطقة الضاحية الجنوبية حتى قبل أن تبدأ المعارك الاخيرة في لبنان.
الخوف من نزوح آخر
في خضمّ سلسلة الهجمات التركية الجوية على مناطق شمال وشرق سوريا في الأيام القليلة الأخيرة، يشعر “شيخو” بالخوف من تكرار سيناريو نزوحه المتكرر من مكان إلى آخر، في ظل الوضع الصحي المتأزم لديه وعدم قدرته على الحركة.
ويقول : “إن تأزمت الأمور هنا واضطررنا للنزوح مرة أخرى سيكون وضعنا أسوء من السيء، لأننا خرجنا بلباسنا فقط، ونزحنا إلى هذه المنطقة كونها كانت آمنة قبل هذه الهجمات”.
ويضيف أنه “بمجرد خروجنا من هنا ستكون معاناتنا كبيرة وخاصة نحن على على أعتاب فصل الشتاء وأنا غير قادر على الحركة”.
ويصف المشهد بقلق: “أخاف من كل تفاصيل النزوح، أولها إلى أين سأتجه؟ وأنا لا أملك أي مأوى هنا ولا أي مقومات العيش ودون منزل يأوينا من برد الشتاء”.
وخلال رحلة الفرار من لبنان، تأزم وضع “شيخو” الصحي إلى أن وصل لمنزل شقيقته في حي المشيرفة بمدينة الحسكة، حيث تعرضت قدماه للانتفاخ بسبب الجلوس المستمر في السيارات.
يسرد الخمسيني خلال حديثه لنورث برس معاناته قائلاً: “أصعب شيء قد يمر عليك هو أن تنزح من منزلك أو مكان استقرارك إلى مكان آخر بسبب الحرب”.
ويضيف: “نزحنا بثيابنا التي نرتديها فقط، وينبغي علينا البدء في الحياة من جديد، بعد هدر حصيلة تعب لأحد عشر عاماً”.
ولم يجد محمد شيخو مأوى يتجه إليه سوى العودة إلى الحي الذي تربى وعاش فيه، في مدينة الحسكة، ووصل الشهر الماضي إلى منزل شقيقته في ذات الحي.
فيما تعاني شقيقته أيضاً حسبما يروي “شيخو” وضعاً مادياً صعباً بعد فقدانها زوجها لتعيل بمفردها أبناءها اليتامى.
تكرار السيناريو
إيهاب الأحمد (35 عاماً)، عائدة من لبنان وهي نازحة سورية من سكان مدينة الحسكة، لجأت مع زوجها وأطفالها قبل ثلاثة أعوام إلى لبنان بحثاً عن فرصة للعمل ولمعالجة طفلتها التي تعاني من أمراض في الجهاز التنفسي.
ورست بهم سفينة النزوح مجدداً في موطنهم الأصلي، عقب الصراع في لبنان.
وتتخوف “الأحمد” من تكرار السيناريو الذي حصل معهم في لبنان مؤخراً، حيث سردت لنورث برس قصة نزوحهم وكيف ساروا لساعات في الليل وعانوا من الهروب من مكان لآخر.
وتروي تفاصيل الرعب الذي تعرضوا له خاصة أطفالها بسبب القصف الذي تعرضت له المنطقة التي كانوا يقطنوها في لبنان.
وتقول لنورث برس: “في ظل القصف الذي تتعرض له المناطق هنا، نخاف من أن يتكرر ما حدث لنا في لبنان، وخاصة أننا بالكاد استطعنا أن نصل إلى هنا ونستأجر منزل في حينا القديم بالحسكة”.
وتضيف: “من الصعب أن نبدأ حياة جديدة هنا في ظل عدم توفر المقومات الكافية للحياة هنا”، على حد وصفها.
وتشير إلى أنه “إذا نزحنا مجدداً، سنذوق العذاب مرة أخرى، وبالأخص مع وجود الأطفال الصغار وطفلتي المريضة على وجه الخصوص، والتي تعاني أكثر في فصل الشتاء”.
وتقول “نحن نعيش حالة رعب جديدة الآن ونبقى متوترين وخائفين، وكل ما نسمع صوت قصف نفقد نصف عافيتنا من الرعب الذي نتعرض له”.
وخلال الأسبوع الفائت، تعرضت مدن وبلدات شمال وشرق سوريا لقصف تركي مكثف بالطائرات المسيرة والمدفعية الثقيلة بأكثر من ألف استهداف للمنشآت الحيوية والخدمية وحقول النفط ومحطات تحويل الكهرباء، مما ينذر بكارثة إنسانية في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية.