دلسوز يوسف – الحسكة
وسط قرية تل نصري بريف الحسكة، شمال شرقي سوريا، يقف الشاب العشريني مصطفى عزوز (23 عاماً) عاجزاً أمام فكرة الزواج ولا سيما أن راتبه الشهري بالكاد يعادل شراء غرام واحد فقط من الذهب.
وتقتضي العادات والتقاليد المتوارثة في منطقته على شراء الذهب أثناء الزواج، لكنه كحال غيره من الشباب السوريين، يشكل مردود عمل عزوز الذي يصل لنحو 80 دولار أميركي شهرياً كعامل مياومة، بالكاد يسد رمق أسرته البالغة 8 أفراد، بينما يعاني والده من مرض بالقلب.
ويقول عزوز الذي يعيل عائلته مع شقيقه الأصغر: “الشخص المقبل على الزواج عليه أن يحرم نفسه من أمور كثيرة (..) راتبي أنا وشقيقي بالكاد يشتري غرام أو غرامين من الذهب”.
ويضيف لنورث برس: “فإذا قمنا بالادخار للزواج يتطلب عامين أو ثلاثة لشراء خاتم أو إسوارة، إذا استمر الوضع هكذا فأنه من الممكن أن أصل إلى عمر 30 سنة لأكون قادراً على الزواج”.
صعوبة في الشراء
وتشهد أسعار الذهب ارتفاعاً إلى مستويات غير مسبوقة في الأسواق السورية، على وقع انهيار قيمة الليرة السورية أمام العملات الأجنبية.
ويباع سعر غرام الذهب عيار 21 قيراط في سوريا بـ 78 دولار أميركي بزيادة وصلت إلى أكثر من 20 دولاراً أو بزيادة نحو 900 دولار للأوقية (الأونصة)، منذ مطلع الجاري.
وبات اقتناء الذهب أو ادخاره أمراً صعب المنال بالنسبة للسوريين نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي، مما يجعل فكرة المقبلين على الزواج تتحول إلى سراب ولا سيما ضعف المردود التي بالكاد توفر المتطلبات المعيشية الأساسية للأسر.
ويصل معدل رواتب الموظفين والعاملين في مناطق الإدارة الذاتية وسطياً إلى نحو 70 دولار أميركي شهرياً، بينما في مناطق حكومة دمشق يصل إلى نحو 35 دولاراً، أي أنه بحاجة إلى شهرين على الأقل لشراء غرام واحد من الذهب، دون صرف ليرة من راتبه.
ولا يختلف حال محمد علي الذي يعمل في أحدى المطاعم بمدينة الحسكة، عن سابقه، حيث بالكاد يؤمن راتبه الذي لا يتعدى مليون ونصف ليرة سورية (نحو 100 دولار أميركي ) متطلبات المعيشة الأساسية لأسرته.
ويشير الشاب الثلاثيني، أنه منذ 12 عاماً قام ببيع ذهب زوجته بسبب ضائقة مادية، لكنه حالياً لا يستطيع شراء ربع ما باعه بسبب غلاءه.
ويقول، لنورث برس: “أعمل لمدة 12 ساعة يومياً، راتبي يؤمن بصعوبة متطلبات عائلتي من طعام وشراب، فكيف سأشتري الذهب؟”.
ركود في البيع
وتأثر ارتفاع الذهب عالمياً نتيجة تداعيات الحروب واستمرارها في العالم، وسط توقعات أن يصل سعر غرام الذهب إلى 100 دولار أميركي خلال العام المقبل.
ومع ارتفاعه تدريجياً، تشهد محلات الذهب ركوداً في حركة البيع ضمن الأسواق في عموم البلاد، فيما يلجأ البعض على شراءه بهدف ادخاره.
وفي سوق المفتي أشهر الأسواق في مدينة الحسكة وأكثرها ازدحاماً، يقول محمد سيد علو وهو صاحب محل صاغة، أن ارتفاع أسعار الذهب أثر سلباً على عملهم.
ويضيف لنورث برس: ” قبل رأس السنة كان يوجد إقبال على شراء الذهب ولكن حالياً خف الإقبال بنسبة 50 % لأن سعر الغرام ارتفع بمقدار أكثر من 20 دولار أميركي “.
ويشير سيد علو، أن الشخص المقبل على الزواج كان يشتري بحدود 40 إلى 60 غراماً وسطياً لكنه حالياً انخفض إلى النصف، بالإضافة إلى ارتفاع سعر الصياغة التي ترتفع مع ارتفاع سعر الذهب.
ويوضح الصائغ، أن الكثيرين بدأوا ببيع مصوغاتهم المدخرة أيضاً بهدف فتح مشروع أو لتأمين مصروفه مما يصعب عليه الشراء مجدداً.
“ملاذ آمن”
وبينما يحلق الذهب عالياً، يعتبر الخبراء الاقتصاديون أن الذهب هو الملاذ الآمن يمكن احتفاظه كمدخرات للمستقبل بدلاً من العملات الورقية التي تشهد استقراراً في الآونة الأخيرة، والتي ممكن أن تنهار في أي لحظة.
ويقول آمد فاطمي وهو رئيس مركز المعادن الثمينة في الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا، بأن السوق المحلي يعتمد على التسعيرة العالمية الأمر الذي أثر بشكل مباشر على السوريين في ظل النزيف المستمر لقيمة الليرة.
ويوضح فاطمي أن الارتفاع في سعر الذهب يعود إلى الحروب الدائرة في العالم مما يدفع الدول للإقبال على الذهب وادخاره.
ويضيف لنورث برس: “الذهب هي سلعة كأي سلعة أخرى مرتبطة بالعرض والطلب، لذلك يقوم الناس بادخاره لكونه معدن ثمين ونفيس لا يحدث له شيء بمرور الزمن فيدخرها الناس بدلاً من العملات الورقية كثروة لهم لمستقبلهم، كون الذهب يحافظ على قيمته مهما مر عليه الزمن”.