تقلبات المناخ وشح المياه يؤثران على زراعة الخضروات في الحسكة
سامر ياسين – نورث برس
للمرة الثالثة خلال شهر، تشتري حورية بذور خضروات شتوية لتزرعها في مساحة صغيرة ضمن فناء منزلها في قرية تل مغاص بريف تل تمر، بعد محاولتها لمرتين في وقت سابق ولكن دون أن تنبت هذه البذور.
حورية العوض، من سكان مدينة سري كانيه (رأس العين)، في العقد الخامس من العمر, نزحت إبان الاجتياح التركي للمدينة أواخر 2019، ولجأت مع عائلتها إلى قرية تل مغاض بريف تل تمر، شمال شرقي سوريا.
وتزرع حورية في كل عام، في مساحة لا تتجاوز ستة أمتار ضمن المنزل الذي تسكنه، خضروات في الموسمين الصيفي والشتوي، ولكنها تفاجأت هذا العام بعدم نجاح إنبات البذور الشتوية.
وفي الشتاء تكثر زراعة الخضروات الموسمية كالبقدونس والرشاد والجرجير والبصل والجزر والفجل ومحاصيل أخرى، ويعتمد أغلب سكان منطقة تل تمر على الزراعة في مساحات منزلية صغيرة، لتغطية حاجات المنزل من هذه الخضروات.
ويعتمد أغلب سكان ريف بلدة تل تمر بريف الحسكة الشمالي على مياه محطة علوك في الري والشرب، التي ما زالت تركيا تقطعها بشكل كامل عن مدينة الحسكة وريفها منذ حوالي العام، مما أثر سلباً على المزارعين في القرى التي تعتمد على الري من مياه المحطة.
تأثير المناخ والمياه
تقول العوض، لنورث برس, إنها تتفاجأ هذا العام بفشل إنبات بذور الخضروات بعد محاولات متكررة رغم نجاح هذه الخضروات والاستفادة منها في الأعوام السابقة.
وأرجعت السبب لشح المياه في القرية وتراجع خصوبة التربة التي باتت “لا تساعد” في إنبات الخضروات، والتغير المناخي الذي حصل هذا العام الجاري، على حد وصفها.
وتفضّل العوض أن تزرع مثل هكذا خضروات في الموسمين الصيفي والشتوي في منزلها لتغطية حاجة عائلتها وجيرانها من الخضروات، دون أن تشتريها من السوق.
وتضيف: “الأرض والمناخ لا يساعدانني لتوسيع هذه المساحة وزراعة أصناف أخرى لكي أفكر ببيعها للسوق المحلي، أنا فقط أعتمد على هذه المساحة الصغيرة لاكتفاء عائلتي وجيراني، فبما المياه هنا قليلة وغير صالحة للشرب، لذلك أغلب النباتات لا تنجح زراعتها”.
وتبين الخمسينية أنها وبالنسبة لوضعها المادي تكبدت خسارة في مصروف زراعة المرتين الماضيتين، حيث اشترت بذور بأنواع وأصناف متعددة، وكانت تسقيهم وتعتني بهم بشكل يومي لإنباتهم ولكن لم تنجح زراعتهم، حسب قولها.
التربة غير صالحة
يقول المزارع أحمد الجاسم من قرية الركبة بريف تل تمر أيضاً، إنه بسبب التغيرات المناخية واستمرار استخدام المياه المالحة في سقاية الأرض، باتت التربة غير صالحة للزراعة كما السابق.
ويذكر الجاسم، لنورث برس ، أن “هناك تراجع كبير في زراعة الخضروات بين هذا العام والأعوام السابقة”.
ويشير “الجاسم” إلى أنه فشل سابقاَ خلال الفترة الماضية بزراعة بعض الخضروات كالبصل والثوم والفجل والبقدونس في مساحة تقدّر بنصف دونم خلف منزله، فعاود المحاولة مرة أخرى على أمل أن تنجح هذه المرة.
ويضيف لنورث برس: “حتى الآن اشتريت بذور لبعض أصناف قليلة بمبلغ 100 ألف ليرة سورية ولم تنجح أي واحدة منها، بعدها قمت بتغطية بعض الأصناف بغطاء (نايلون)، وغيرت بعض البذور على أمل أن تنبت”.
ويرجع المزارع السبب في عدم نجاح الخضروات هذا العام إلى احتياجها الكبير للسماد والمواد التي تساهم في تقوية التربة، ولكن بسبب سعره الباهظ وجودته المتدنية التي لا تفيد التربة، تبقى التربة ضعيفة وغير صالحة للزراعة، لا سيما في هذا المناخ المتقلب، الذي أثر على كلا الزراعتين الصيفية والشتوية، حسب تعبيره.
لا تغطي احتياجات
لطالما كان الحاج عبد العبدي وفي مساحة صغيرة (نصف دونم) بجانب منزله في قرية الركبة كان قد خصصها لزراعة الخضروات الصيفية والشتوية، يزرع صيفاً الطماطم والباذنجان والفليفلة والبطيخ وفي الشتاء البقدونس والسبانخ والبصل والجرجير ومحصولات أخرى ويكتفي منها.
لكن هذا العام شهد العبدي تراجعاً في الإنتاج خلال الموسمين ولا تغطي احتياجاته بسبب التراجع الكبير لخصوبة التربة وقلة المياه الصالحة للري والمناخ الذي أثر بشكل كبير على عملية الزراعة، حسب قوله.
ويقول الحاج عبد لنورث برس, إن “الأرض باتت بحاجة لسماد ترابي من نوع جيد لإصلاح التربة، أو استخدام مواد عضوية طبيعية نسميها (السواد)”.
فيما يشير إلى أن السماد الترابي باهظ الثمن وليس بمقدورهم شرائه بكميات كبيرة، بينما يواجهون صعوبة كبيرة في جلبه لعدم توفره وصعوبة نقله من مكان لآخر.
ويرى أن المياه غير النظيفة والمناخ المتقلب ساهما وبشكل كبير في فشل إنبات الخضروات وخاصة الصيفية منها، حيث استمرار الحرارة بالارتفاع بشكل كبير كان عاملاً رئيسياً لتضرر التربة وعدم مساعدة البذور على الإنبات, على حد وصفه.
ويطالب السكان البلدة وريفها الإدارة الذاتية بتشجيع زراعة الخضروات المنزلية وتقديم الدعم اللازم من ناحية توفير المحروقات والبذار والأسمدة التي شكلت أعباء إضافية، في ظل تعرض المنطقة لموجات الجفاف خلال السنوات الأخيرة.