القامشلي – نورث برس
أصبح التلوث البيئي إحدى التحديات الملحة التي تواجه سكان مناطق شمال شرقي سوريا، لما له من آثار خطيرة على صحة السكان.
ويؤكد الأطباء أن هناك ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي والأمراض السرطانية، إضافة إلى ضعف المناعة وغيرها تعود إلى التلوث البيئي.
مشكلات
يقول عبدالغني سليمان، دكتور مختص في الأمراض الصدرية في القامشلي, لنورث برس، إن “أبرز المشكلات البيئية التي تواجهها المنطقة هي الأبخرة والغازات التي تنجم عن دخان السيارات والمعامل والمولدات والحرائق والغبار وحرق النفايات”.
ويتسبب التلوث البيئي بانتشار جزيئات صغيرة لا تُرى بالعين المجردة في الهواء، ويمكنها اختراق الرئتين ومجرى الدم والجسم لتنجم عنها أمراض خطيرة على صحة الإنسان.
هذه الملوثات مسؤولة عن حوالي ثلث الوفيات الناجمة عن السكتات الدماغية وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة وسرطان الرئة، فضلاً عن ربع الوفيات الناجمة عن الأزمات القلبية، بحسب إحصائيات الأمم المتحدة.
وتنتشر هذه الملوثات في مناطق شمال شرق سوريا بسبب تضرر الغابات والمحميات واستخدام الحراقات البدائية في الاعتماد على إنتاج الديزل والنفط، ناهيك عن مولدات الكهرباء وارتفاع أعداد السيارات وغيرها من الأسباب.
ويشير سليمان إلى أن جميع تلك الملوثات تنتج غازات سامة وخاصة غاز أول أوكسيد الكربون الذي يعتبر ساماً جداً وغاز ثاني أوكسيد الكربون وتؤثر بالنتيجة على صحة الانسان.
أمراض
يضيف الطبيب: “تسبب الأبخرة الدخانية احتشاءات في القلب نتيجة تصلب الشرايين وكذلك تسبب الأورام السرطانية مثل سرطان الحنجرة والقصبات والرئة”.
كما أن استنشاق الدخان يسبب أمراض صدرية مزمنة مثل انتفاخ الرئة والتهاب القصبات المزمن, بحسب “سليمان”.
ويشير إلى أن التلوث البيئي يسبب أمراضاً أخرى مثل نوبات الربو والتهاب الشعب الهوائية المزمن والانسداد الرئوي وإعتام عدسة العين والاضطرابات السلوكية العصبية.
ولا تقتصر الآثار السلبية الناجمة عن هذا التلوث على فئة عمرية معينة إذ يوضح الأطباء أنهم يستقبلون المرضى المصابين بسببه من كافة الأعمار.
ويبين أن الأعمار الكبيرة تكون معرضة للإصابة بالسرطانات والأعمار الصغيرة معرضة للأمراض التحسسية والربو، ويقول: “لا نملك إحصائيات رسمية لكن هذه الأمراض تصيب كافة الأعمار”.
ارتفاع المعدلات
تشير الأرقام التي حصلت عليها وكالة نورث برس من مديرية الصحة في القامشلي إلى ارتفاع معدل الإصابة بالسرطانات في مناطق شمال شرق سوريا بنسبة 5% عما كانت عليه قبل الأزمة السورية.
ويقول لازكين محمد، مدير صحة القامشلي، لنورث برس, إنهم قاموا بعمليات مسح وبحث عن نتيجة التلوث البيئي في المنطقة وخاصة المولدات وحراقات تصفية البترول.
ويضيف: “قمنا بتعيين لجنة لتقوم بالبحث في عيادات الأطباء والمشافي الخاصة وبينت نتيجة البحث زيادة نسبة بعض الأمراض مثل أمراض السرطان والأمراض الصدرية”.
ويشير إلى أن نسبة الإصابة بالسرطان في السابق كانت 3% والآن أصبحت 8% أي هناك ازدياد بنسبة 5% لأمراض السرطان.
وبحسب الأطباء والمختصين, فإن المرض الأكثر شيوعاً هو سرطان الثدي ويأتي مرض سرطان الرئة في الترتيب الثاني، والأسباب هي التلوث البيئي وزيادة استعمال الأدوية الهرمونية بالنسبة للسرطان.
كما قامت مديرية الصحة بعمليات مسح في العيادات الصدرية في القامشلي وتبين ازدياد أمراض الرئة مثل الربو التحسسي وذات الرئة وضيق التنفس وسرطان الرئة، بحسب “محمد”.
ويتسبب التلوث البيئي بسبعة ملايين حالة وفاة مبكرة حول العالم في كل عام جراء تلوث الهواء بحسب رسالة للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش في اليوم الدولي لنقاوة الهواء عام 2023.
حلول
ويوصي أطباء بالنظر دوماً في الأسباب ومعالجتها، ويشدد طبيب الأمراض الصدرية عبدالغني سليمان، على أنه يجب أن “يكون هناك ضوابط للآليات التي تنتج دخاناً، وكذلك إبعاد المعامل والحراقات عن التجمعات السكنية وإنشاء مصانع تكرير حديثة تكون بديلة للحراقات”.
ويشير إلى أنه في موسم الحرائق يجب أن يكون هناك استعداد لمواجهتها، ومنع التدخين في الأماكن العامة والمطاعم والمقاهي لأنه سلبي أيضاً، كما يجب زيادة المساحات الخضراء وزراعة الأشجار لأنها تمتص هذه الغازات.
ومن جهته يؤكد لازكين محمد مدير صحة القامشلي أنهم يقومون بإجراءات من شأنها التخفيف من الآثار السلبية الناجمة عن التلوث البيئي على صحة الإنسان.
وينوه بأن هيئة الصحة وعن طريق المجالس الصحية في المناطق تجري جولات توعية للتنبه من التلوث.
وتسعى مديرية الصحة بالتنسيق مع هيئة البيئة للقيام بتشجير المنطقة وزيادة المساحات الخضراء وأيضاً التقليل من عدد المولدات والحراقات وتجميعها في مكان مخصص بعيداً عن التجمعات السكنية.
ووفق إحصائيات رسمية، يوجد في مركز مدينة القامشلي نحو 600 مولدة لتوفير الكهرباء للسكان والمحال التجارية، كما تعمل أعداد أخرى في المرافق الصناعية والخدمية، تعمل أغلبها على المازوت الرديء مما يتسبب بتلوث الهواء.
وتقدر أرقام الأمم المتحدة بأن أعداد الوفيات المبكرة الناتجة عن تلوث الهواء المحيط ستشهد زيادة تتجاوز 50 في المائة بحلول عام 2050.