الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان: أثرها على نظام الأسد

الحرب الإسرائيلية في غزة لم تكن مزعجة لنظام الأسد رغم الضغوط الإيرانية, بل وجد فيها نظام الأسد فرصة للتشفي بحركة حماس التي يعتبرها بشار الأسد قد غدرت به بداية الثورة, عندما وقفت وساندت الحراك الثوري للشعب السوري, ومحاولات المصالحة التي قام بها بعض قادة حركة حماس وزيارتهم بشار الأسد في دمشق, لم تستطع أن تُجسر الهوة بينهما, أو تعيد العلاقة لما كانت عليه قبل عام 2011.

وظهر واضحاً غياب أو تغييب الإعلام الرسمي في دمشق عن كامل مجريات الحرب في غزة, والابتعاد عن أي تغطية حقيقية لمجريات تلك الحرب, رغم أن التصريحات الرسمية لبعض المسؤولين في النظام السوري كانت تقول عكس ذلك إرضاءً لإيران, لكن الكارثة التي كان يخشاها الأسد حصلت وهي محاولة إيران تحريك جبهة الجولان السوري ضد إسرائيل تحت عنوان “وحدة الساحات” التي تعني فتح مناوشات من جبهة الجولان كمعركة إشغال للجيش الإسرائيلي على غرار ما فعله حزب الله في الجنوب اللبناني, عندما أعلن حزب الله ما يُسمى معركة “إسناد غزة” التي يدفع ثمنها لبنان اليوم.

لكن رسائل هامة عبر دولة عربية ودول غربية وصلت لبشار الأسد تحذره من الانزلاق والانغماس أكثر بالمشروع الإيراني تجاه إسرائيل, ولتأكيد التهديدات التي وصلت لدمشق, خرج رئيس الاستخبارات ورئيس الأركان الإسرائيليين للتهديد بقصف قصور بشار الأسد إذا ما كان هناك أي تحريك لجبهة الجولان.

وكان واضحاً أن بشار الأسد نأى بنفسه وجيشه عن أي عمل ضد إسرائيل, لكنه كان عاجزاً عن ضبط تحركات ميليشيات إيران وحزب الله على الأراضي السورية, فحدثت بعض العمليات من إطلاق صواريخ كاتيوشا أو قذائف تعاملت معها إسرائيل بشكل فوري وردت عليها, وببعض الأحيان توغلت قوات إسرائيلية داخل الأراضي السورية ودمرت مواقع لحزب الله وللحرس الثوري الإيراني, ولأكثر من مرة كانت إسرائيل تلقي مناشير تحذر فيه ضباط فروع وأقسام الاستطلاع في ألوية الحيطة بالجولان السوري, من فتح مكاتبهم والتعاون مع ميليشيات إيران وحزب الله.

خوف نظام الأسد اليوم ليس ناجماً عن الضربة الموجعة والساحقة التي تعرض لها الذراع الأقوى لإيران في لبنان “حزب الله”, وخوف نظام الأسد أيضاً ليس بسبب عمليات الاغتيال التي تنفذها إسرائيل في سوريا والتي حصدت عشرات كبار القادة بالحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس وحزب الله, والتي اتُهم فيها بمرحلة ما نظام الأسد بأنه المسهل والمزود بالمعلومات والإحداثيات للموساد الإسرائيلي عن طريق خلايا تخابر مع إسرائيل كُشف منها خلية لونا الشبل وشقيقها العميد بالقصر الجمهوري ملهم الشبل, خاصة بعد مسرحية حادث السيارة المفبرك والذي أدى لمقتل لونا الشبل واعتبرت إيران الحادث عبارة عن لعبة استخباراتية أسدية لمنع المخابرات الإيرانية من الوصول للمشغلين الأساسيين لتلك الخلية.

خوف نظام الأسد اليوم بأن الحرب التي بدأت في غزة وانتقلت للبنان قد يكون مسرحها الثالث سوريا, وأن المطلوب إسرائيلياً اليوم (وقد يكون مطلباً غربياً أيضاً) ليس فقط التخلص من حركات حماس والجهاد الإسلامي أو حزب الله, بل المطلوب ضرب كامل مشروع ولاية الفقيه في محيط إسرائيل, وبشار الأسد فعلياً أحد عناصر مشروع ولاية الفقيه, وهو مشرع الوجود الإيراني في سوريا, وشقيقه اللواء ماهر الأسد قائد الفرقة الرابعة أصبح تابعاً لأجندة الحرس الثوري الإيراني أكثر مما يتبع لغرف عمليات نظام الأسد أو وزارة دفاعه.

وتتزايد خشية الأسد أيضاً مع تسريبات تتحدث عن صفقات بعشرات مليارات الدولارات تعقدها إيران في الخفاء ثمناً لرأس أذرعها إن كان في قطاع غزة أو حتى رأس قيادة حزب الله في لبنان, والأسد يُدرك تماماً أن من يبيع حزب الله لن يتردد في بيعه أيضاً.