البادية السورية.. الصيد الجائر والتجارة غير المشروعة تهددان بانقراض طيور نادرة

عمر عبد الرحمن – دير الزور

يشكل الصيد الجائر والتجارة غير المشروعة للطيور النادرة في سوريا تهديداً حقيقياً يهدد بانقراض العديد من هذه الأنواع الثمينة.

وشهدت السنوات الأخيرة تفاقماً خطيراً لهذه الظاهرة في مناطق مختلفة، خصوصاً في ريفي دير الزور وحمص، وأدى ذلك إلى انخفاض كبير في أعداد الصقور والبوم وغيرها من الأنواع المميزة بيئياً.

صيد الطيور

يقول عبد الله السالم، من سكان بلدة البوكمال في أقصى شرق دير الزور، شرقي سوريا، لنورث برس: “منذ طفولتي، كنت أخرج مع والدي وأعمامي إلى بادية دير الزور في كل عام خلال موسم صيد الطيور، وكانت تلك الأيام مليئة بالتعلم، وتطورت مهاراتي لأصطاد الطيور الأكثر قيمة اليوم مثل الصقور والبوم والنسور”.

ويضيف: “أفتخر بأنني تعلمت هذه المهنة ونقلتها من والدي وأجدادي، وسأورثها لأبنائي، ومن أبرز ما يدفعني للصيد هو الربح المادي الكبير، فبعض الطيور النادرة مثل الحر والشاهين وبعض أنواع الصقور الأخرى تباع بمئات وآلاف الدولارات، بالإضافة إلى ذلك فإن هذه المهنة تنسيني هموم الحياة وتعتبر تسلية رائعة”.

ويشير السالم إلى أنه “نستخدم في الصيد طرقاً متنوعة مثل الشباك والمصائد، ونتمكن أحيانًا من الحصول على البوم والصقور النادرة جدًا”.

ويبين أنه “على مدار تسعة أعوام، مارست هذه المهنة، وقد رزقت بطيري حر وبعتهما بما يقارب 9,000 دولار، بالإضافة إلى بعض الطيور الأخرى مثل البوم والصقور، ورغم أنني لم أتمكن من اصطياد أي طير ثمين خلال الموسمين الماضيين، إلا أن تجاربي السابقة تدفعني للاستمرار في ممارسة هذه المهنة، لأن الشغف بها لا يزال يملأ قلبي”.

ويضيف: “الصيد ليس مجرد هواية بالنسبة لي، إنه جزء من تراث عائلتي وثقافتي، أستمتع بكل لحظة أقضيها في الطبيعة، وأشعر بأنني جزء من هذا العالم الذي يحيط بنا”.

تجارة

تنشط حركة الصيد عادة في نهاية فصل الصيف وتستمر لأكثر من شهرين وهي فترة هجرة الطيور فيقوم الصيادين بالإقامة والمكوث في مناطق الصيد، وعند صيد الطيور يتم بيعها في مزادات محلية مخصصة لبيع الطيور وغالباً ما يكون التجار من سكان المنطقة ذاتها.

ويقول سلطان الشمري، من مدينة تدمر وسط سوريا، لنورث برس: “في كل موسم صيد سنوي، ترى الآلاف من الصيادين في البوادي والجبال في شتى مناطق سوريا، يجهزون عدتهم وينطلقون إلى الصيد لمدة تقارب الشهرين أو ثلاثة أشهر، بدءاً من بداية الشهر التاسع تقريباً وحتى نهاية الشهر الثاني عشر”.

ويضيف أعمل في تجارة الطيور منذ حوالي عشر سنوات، حيث أقوم بشراء الطيور من الصيادين في مناطق تدمر ودير الزور وحمص عبر مزادات تُقام في مناطق مختلفة.

وتتراوح أسعار الطيور بين 100 دولار وتصل إلى 20,000 دولار، حسب نوع الطير وحجمه وصحته وطول ريشته.

ويذكر أنه بدوره، يقوم  ببيع هذه الطيور إلى أشخاص أثرياء، سواء في المنطقة أو خارج الأراضي السورية، خصوصاً الخليجيين الذين يقتنون هذه الطيور إما كهواية أو للفخر بها أو لتدريب الصقور، وتدر للشمري مرابح عالية.

ويبين أنه “من بين أغلى أنواع الطيور، يعتبر الحر من أبرزها، حيث يختلف سعره كلما زاد حجمه ووزنه، بالإضافة إلى ذلك، هناك أنواع أخرى مثل الصقور والبوم البني والبلبل والحجر والكروان، لكن أسعار هذه الطيور تكون عادةً أقل مقارنةً بالحر.

تهديد للطيور النادرة

تعتبر تجارة الطيور جزءاً مهمًا من الثقافة المحلية، حيث تتجذر هذه الممارسة في عادات وتقاليد المنطقة، ومع ذلك، فإن الصيد الجائر والتجارة غير المشروعة تشكل تهديدًا كبيرًا للطيور النادرة، مما يستدعي اتخاذ إجراءات لحماية هذه الثروة الطبيعية.

ويقول الخبير في البيئة عويد الناصر المختص في الطيور ونسلها، لنورث برس: “للأسف، نشهد في السنوات الأخيرة تفاقماً خطيراً لظاهرة الصيد الجائر والتجارة السوداء لطيور النادرة في عدة مناطق من سوريا”.

ويضيف الناصر أن هذا الأمر يهدد بشكل مباشر في انقراض العديد من أنواع الطيور الثمينة والمميزة بيئياً.

ويُعزى هذا التدهور إلى أساليب الصيد العشوائي، مثل استخدام الشباك والمصائد، بالإضافة إلى تهريب هذه الطيور إلى خارج البلاد، مما أدى إلى انخفاض كبير في أعدادها، وعلى سبيل المثال، تراجع عدد الطيور مثل الصقور والبوم بنسبة تصل إلى 70% في بعض المناطق/ بحسب الناصر.

وتتجاوز آثار الصيد الجائر التأثير على الأعداد الفردية للطيور؛ فهو يؤثر سلباً على التوازن البيئي ويعكر صفو النظام الإيكولوجي في تلك المناطق، لذا، من الضروري تفعيل قوانين وتشريعات صارمة لحماية الطيور النادرة والحد من عمليات الصيد والتهريب غير المشروع، بحسب ما يطالب به الناصر.

ويشدد على أنه “يجب على السلطات المختصة تجديد الرقابة والمتابعة الميدانية في المناطق المعرضة لهذه الممارسات الضارة، وكذلك ينبغي تكثيف الحملات التوعوية والتثقيفية للمواطنين حول أهمية هذه الطيور النادرة كجزء من التراث الطبيعي والبيئي في سوريا”.

ويؤكد على أنه من المهم أيضًا توفير بدائل اقتصادية للسكان المحليين لتحقيق دخل مناسب بعيداً عن الصيد والتجارة غير المشروعة للطيور. وهذا يتطلب دعماً وتمويلاً من الجهات الحكومية ومنظمات البيئة.

ويقول: “إذا لم يتم اتخاذ تلك الإجراءات الحاسمة والفورية، فإن مستقبل هذه الطيور سيكون في خطر حقيقي، فقد ينقرض بعضها في غضون السنوات القليلة القادمة”.

تحرير: محمد القاضي