بيروت – ليال خروبي – NPA
لا يخفى على أحدْ أنَّ اللاجئ السّوريّ في لبنانْ يرزخُ تحتَ ضغوطٍ مادّية ملحقة بالحرب واللجوء، لكنَّ ضغوطاً أخرى هي معنويّة ملحقة بواقعٍ لا ينكرهُ أحدٌ من اللبنانيين وهو النظرة العنصريّة تجاه اللاجئين.
فالباحثُ في لبنان عن نماذجْ خطاب التنميط إن كان على المستوى السياسي أو الإعلامي أو أحاديث الشارع لا يجهدُ كثيراً في بحثهِ، يكفي أنْ يضعَ جملة العنصرية تجاه اللاجئين السوريين في لبنان على محرك غوغل حتى تنهال الروابط والنماذج المؤكدة على هذه العبارة.
لبنان لا تعتبر نفسها دولة لجوء
وفقاً لهيومن رايتس ووتش (2018) ” تنتهك السياسات التعسفية والأنظمة والممارسات التمييزية التي تنفذها الحكومة اللبنانية والبلديات المحلية على التوالي, القانون الدولي لحقوق اللاجئين وحقوق الإنسان”، وإذا أردنا أن نردَ هذه الممارسات إلى محرّكها الأصليّ فذلك أن لبنان يعتبر نفسه دولة ممر وليس مقرّ لكل اللاجئين.
وترفض الحكومة اللبنانية دمج اللاجئين السوريين في المجتمع وهو ما جرى التأكيد عليه في تقرير عام 2014 عن اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة والذي جاء فيه “عدم توقيع لبنان على الاتفاقية الدولية للاجئين الصادرة عام 1951 ذلك أن لبنان لا يعتبر نفسه دولة لجوء”.
الإعلامْ اللبناني لا يتبنى خطاباً متوازناً تجاه اللاجئين
غياب الإطار القانوني الواضح من الحكومة اللبنانية لمقاربة ملف اللجوء السوري في وقتٍ تطحنُ الأزمات الإقتصادية والاجتماعية اللبنانيين, شكّلا بيئةً خصبةً لشيطنة النزوح السوري وتحميله أعباء الأزمات التي تعصفُ بلبنان حتى بلغ الأمر بأحد التلفزيونات اللبنانية إلى إعداد تقرير يربطُ بين ارتفاع نسبة السرطان واللاجئين السوريين.
وحولَ دور هذا الإعلام في تنميط صورة اللاجئين تقول الصحفية اللبنانية ديانا مقلّد لــ”نورث برس”:” يصعب النظر الى الاعلام اللبناني أو العربي بصفته جسم مستقل مهني، لذلك نرى أن كل مشاكل وآفات الخطاب السياسي تجد انعكاسا لها في أداء الإعلام”.

الصحفية اللبنانية ديانا مقلد
وتضيف: ” هذا لا يعفي الإعلام من مسؤولياته في تكريس الصورة السلبية وتعميمها، لكن لنفهم من أين ياتي الانحدار الإعلامي علينا أن نرى من يملك وسائل الإعلام ووسط أي ثقافة يعمل الصحافيون والصحافيات الجدد”.
وحول صعودِ التيار الشعبوي في العالم الذي يتبنى خطاباً معاديا للهجرة واللجوء وتحديدا في أوروبا والولايات المتحدة، تعرب مقلد عن اعتقادها بأنّ ” المقاربة الإعلامية في لبنان تستمد قوة من التيار الجارف في العالم لليمين الشعبوي المتطرف، لأن ما يحصل في لبنان ينسجم مع هذا التيار ويستقوي به بالتأكيد”.
لكن مقلد تضيف: “لا أعتقد أن هذا يعكس كل الصورة، لأن محاولات رفض ومقاومة هذا الخطاب موجودة أيضا ولو بشكل غير منظم لكنها فاعلة وتتمكن من الإزعاج وإيصال الرسالة ولو بوسائل غير تقليدية”.
كوّة في الجدار
في تشرين الثاني/نوفمبر 2018 انطلقت مبادرة إعلامية بحثيّة هي الأولى من نوعها في لبنان تحت عنوان ” اللاجئون = شركاء”, تهدف إلى مواجهة المشاعر السلبية ضد اللاجئين في لبنان وتشجيع إصلاح السياسات التي تحمي حقوقهم.
ويركّز المشروع على كسر الصور النمطية بحق اللاجئين السوريين من خلال الأعمال البحثية المعمّقة والموادّ الإعلاميّة التي ينشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقدْ كشفَ المشروع حجم الهوّة بين الأحكام المعممة على اللاجئين والأرقام الحقيقية على الأرض عبر سلسلة إنفوغرافيكس تحت عنوان “قبل ما تحكم”، فمثلاً الإنطباع الغالب لدى اللبنانيين بأن العمال السوريين يستولون على وظائفهم في حين يكشف ” اللاجؤون = شركاء” أن 84% من العمالة السورية في لبنان تقتصر على قطاعي الزراعة والبناء وهي قطاعات مسموح بها بموجب قانون العمل اللبناني منذ الأزمة.

أحد اعمال الغرافيك لمبادرة اللاجئون = شركاء
وفي حديثها لـ”نورث برس” قالت مديرة المشروع, فاطمة إبراهيم “أزمة اللاجئين السوريين في لبنان يتم تداولها من منطلق سياسي بحت في وقت يغيب أي إطار قانوني لهذا الملفّ، وأعتقد أنَّ منشأ المشكلة هو أن اللاجئين قدموا إلى بلدٍ يفتقر إلى العدالة الإجتماعية مع المواطن نفسه فكيف مع اللاجئ”.
وتوضح فاطمة:” وجدنا أن معظم المنظمات المعنية بقضايا اللاجئين تنفذ بحوثها ولكن تبقى أرقامها ونتائجها بعيدة عن متناول الناس وعن الساحة الإعلامية لذلك عملنا على حملة إعلامية إيجابية مستندة إلى أبحاث وحقائق في وقتٍ يطغى فيه خطاب الكراهية”.
وتؤكّد:” الصور النمطية حول اللاجئين غير مبنيّة على أرقام حقيقية، فمثلاً منذ مدة نشر أحد السياسيين معلومة في الإعلام بأن الولادات السورية تخطت الـ 300 ألف ولادة خلال سنةٍ واحدة، والمؤسف أن هكذا معلومات تحوز على نسبة كبيرة من التداول بالمجتمع.”