حنين رمضان – دمشق
تشهد العاصمة السورية دمشق في الآونة الأخيرة ظاهرة تزايد أعداد الفتيات القاصرات اللواتي يضطررن للتسول في الشوارع.
وتنتشر هذه الظاهرة بشكل خاص في المناطق المزدحمة مثل كراجات العباسيين، وحول الجامع الأموي في دمشق القديمة، وكذلك في الأسواق الشعبية كسوق باب توما.
وتعتبر هذه الظاهرة في دمشق، بحسب مراقبين، جرس إنذارٍ يجب أن يستمع إليه الجميع، فهي ليست مجرد مشكلة اجتماعية عابرة، بل هي انعكاس لواقع صعب تعيشه البلاد في ظل الظروف الراهنة.
ويتطلب التعامل مع هذه القضية بجدية واستجابة فورية وشاملة من جميع الأطراف المعنية، لضمان مستقبل أفضل لهؤلاء الفتيات وضمان حقوقهن في العيش بكرامة وأمان، بحسب المراقبين.
“فتيات لا ذنب لهم”
تقول عبير أم أحمد، وهي من سكان باب، لنورث برس: “هذه الفتيات لا ذنب لهن، وهن ضحايا للظروف القاسية التي نعيشها جميعاً”.
وتضيف أم أحمد: “أشعر بالأسى عندما أرى طفلة في الشارع تتسول بدل أن تكون في المدرسة، يجب على الحكومة والمجتمع ككل أن يتحركوا لإنقاذهن وتوفير حياة كريمة لهن”.
وبحسب مشاهد تمكنت نورث برس من تصويرها، تظهر أن عشرات الفتيات القاصرات يجبن شوارع دمشق يومياً، يمددن أيديهن طلباً للمساعدة من المارة.
ويضطر معظم هؤلاء الفتيات للبقاء في الشوارع لساعات طويلة في الشوارع، حيث يقمن بجمع البلاستيك والكرتون لبيعه، أو يمتهن التسول لكسب لقمة العيش.
فيما يقول محمد أبو خالد، صاحب محل تجاري في منطقة سوق الحميدية، إن الظاهرة باتت مألوفة في شوارع دمشق.
ويضيف لنورث برس: “أرى هؤلاء الفتيات كل يوم في طريقي إلى العمل، الوضع أصبح طبيعياً لدرجة أننا نتجاهله أحياناً، لكن الحقيقة أن هذه مشكلة كبيرة”.
ويشير أبو احمد إلى أن “هؤلاء الأطفال والبنات القاصرات بحاجة إلى حماية ورعاية، وإلا سنرى المزيد من الضحايا في المستقبل”.
أزمة اجتماعية
تقول سعاد الأحمد، وهي دكتورة وخبيرة في علم الاجتماع النفسي، إن ظاهرة تسول القاصرات في دمشق تمثل أزمة اجتماعية وإنسانية خطيرة تتفاقم يومًا بعد يوم.
وتضيف أن الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة متعددة، تتراوح بين تداعيات الحرب المستمرة، التي مزقت الأسر وتسببت في فقدان العديد من الأطفال لذويهم، وبين الفقر المدقع الذي يدفع بعض الأسر إلى التخلي عن بناتها.
وتشير إلى أنه قد يكون نتيجة لعجزهم عن تأمين احتياجاتهم الأساسية أو بسبب انعدام الوعي والتوجيه في محيطهم الذي يعيشون فيه.
وتؤكد الأحمد أن بقاء هؤلاء الفتيات في الشوارع يعرضهن لمخاطر جسيمة تتجاوز مسألة التسول، حيث يتعرضن للاختطاف والاستغلال من قبل عصابات تستغل هشاشتهن لجرهن إلى أعمال غير قانونية مثل الدعارة أو السرقة.
وتلفت إلى أن هذه الممارسات لا تقتصر على الإضرار الجسدي والنفسي الفوري للفتيات، بل تترك آثاراً طويلة الأمد على صحتهن النفسية والاجتماعية، مما يعيق اندماجهن المستقبلي في المجتمع.
ورغم الانتشار الواسع لهذه الظاهرة، إلا أن الجهود المبذولة من قبل المنظمات الإنسانية والجهات الحكومية في مناطق سيطرة الحكومة تبدو غير كافية.
فلا تزال هذه الفتيات يواجهن مصيراً مجهولاً دون رعاية أو حماية تُذكر، ورغم بعض المحاولات الفردية لإغاثتهن، إلا أن الحاجة تظل ماسة لخطة شاملة تتضمن حماية القاصرات وتوفير ملاذات آمنة لهن.