مدرسة في شمالي لبنان تعلّم الأطفال السوريين بشكل تطوّعي
البترون – ليال خرّوبي – NPA
تبرقُ عينا شهدْ المثبّتتان على عدسةِ الكاميرا التي تستميلها بابتسامتها البريئة كيْ تلتقطَ لها ما أمكنَ من الصّور، تتقافزُ بينَ أترابها جيئةً وذهاباً، ولا بدَّ لمنْ يراقبُ جمعَ الأطفال الصاخب أن يدقّقَ في ملامحها.
تجيبُ محدّثها بأنّ لها من العمر خمس سنوات وهي توأمٌ لشقيقين هما عهد وفهد، منبتهم في القامشلي (شمال شرقي سوريا) ومولدهم في البترون شمال لبنان.
وقدْ قُدّرَ لشهد أن تبدأ مشوارها التعليمي ضمنَ مبادرةٍ تطوّعيةٍ أطلقتها جمعية “فرح العطاء” علم 2011 في قرية كفيفان البترونيّة لتعليم الأطفال السوريين, الذين لم تسنحْ لهمْ فرصةُ الدخول إلى المدارسْ التي تديرها الحكومة اللبنانية وتموّلها مفوضية اللاجئين الأممية.
مبادرةٌ ستمنحُ شهدْ إفادةً عن كلّ مرحلة تعليمية تنجزها وصولاً إلى صفِ الثاني أساسي فقطْ، حيثُ من المفترض أن تتلقفها مدارس الدولة اللبنانية ، أو كما تمنَّت بلثغتها الطفولية، أن تكمل تعليمها في القامشلي مع عهد وفهد.

الطفلة السورية شهد
المدرسةُ تصطخبُ يومياً بمئتي طفلٍ يتلقون موادهم التعليمية من لغات وعلوم وموسيقى وفنون ورياضة.
لكنَّ الصفوفَ غير متجانسةٍ كليّا من الناحية العُمريّة، فكثيرٌ من الأطفالِ تخلفوا عن اللحاق بصفوفهم بسبب أهوال الحرب أو لم يلتحقوا بها أصلاً.
الطفلة سلسبيل موّاس (12 عاماً) تنهي هذه السنة عامها الأخيرْ في المدرسة، أي الصفّ الثاني أساسي ذلكَ أنها لم تدخل المدرسة في مدينتها الأم إدلبْ، لأن دخول الحربِ إلى البلادْ تزامنَ مع دخولها السنّ المخصصة للتعليم، فبدأت عام 2014 مرحلةَ محوِ الأميّة وتعلّمت فكّ الحروف وكتابتها.
أمّا عن حلمها فهي تحبُّ أن تصبحَ معلّمةً في المستقبلْ.

الطفلة سلسبيل مواس
ويبدو جلياً أن تجربةَ الأطفالِ في هذه المدرسة القائمةِ في منطقةٍ وادعة بالقرية البترونية لم تقتصرْ على الشقّ الأكاديمي بل أيضاً الإجتماعي، إذْ تحرصُ الجمعيّة على مواكبة الاحتياجات النفسية للأطفال مع الأهل وعلى غرسِ مبادئ المحبة والتسامح والاحترام في نفوسِ الأطفال، وهي ما يعبّر عنها الأطفال اختصاراً برقم 3 من فورهم حينما تتوجه الكاميرا إليهم.

أطفال يرفعون شعار المحبة والتسامح والإحترام
في هذا الإطار تقول منسقة ومديرة مركز كفيفان في الجمعية, باتريسيا الحاصباني., إنَّ الجمعيّة تعنى بالتأهيل النفسي للأطفال إلى جانبِ المتطلبات الأكاديمية، “فالحرب واللجوءُ خلّفا جروحاً غائرة عند كثيرٍ من الأطفال ما يسبب لهم صعوباتٍ تعليميّة”.
ولأنّ الطفولةَ مرادفةٌ للأحلامِ المتوثّبة، يحلمُ الطفل محمّد العبيد (12 عاماّ) بأن يصبحَ مهندساً معمارياّ عندما يكبر، ولا يكترث بالسنوات الخمس التي انسلّت من دربهِ التعليمي، فهو يصرُّ على حلمه ويلقى تشجيعاً دائماً من أبيه، أو ربّما لأنّ شغفهُ الطفوليّ يرسمُ صورةً معافاة لوطنه، ويريدُ أن تكون له يدٌ فيها، بعدما أكلتْ يدُ الحربِ بيته ومدرسته في حلبْ.

الطفل محمد العبيد
وحول المرحلة التي تلي تخرج الأطفال من المدرسة تقول الحاصباني :” نتابعُ مآلْ جميعِ الأطفال ونحاولُ إلحقاهم بمدارس الدولة اللبنانية لإكمال تعليمهم، لكنّنا نصطدمُ أحياناً بغياب ثقافة العلمِ عند الأهل حيث يوجهون أولادهم إما للعملْ للذكور أو الزواج للإناث”.