منسوب الأنهار في القامشلي.. مخاوف من الجفاف وتأثر الثروة الحيوانية والزراعة
القامشلي – نورث برس
توضح بيانات الجهات المعنية في شمال شرقي سوريا أن منسوب مياه الأنهار انخفض إلى ما دون النصف مما كانت عليه في الأعوام التي سبقت الحرب السورية.
وشهدت مناطق شمال شرق سوريا في السنوات الأخيرة تراجعاً ملحوظاً في كميات المياه المتدفقة في أنهار المنطقة وسدودها، ونجم عن هذا الانخفاض المقلق في المصادر المائية تداعيات خطيرة على قطاعي الثروة الحيوانية والزراعة اللذان يعدان العمود الفقري للاقتصاد المحلي في المنطقة.
وباتت المنطقة تواجه خطر التصحر والجفاف في حال لم تبذل جهود بيئية، بينما تبقى الحلول الجذرية متعلقة بالأسباب المرتبطة بالتغييرات المناخية وقطع تركيا تدفق المياه إلى الأراضي السورية على وجه الخصوص.
انخفاض الثروة الحيوانية
يقف متعب الحسين، مالك سابق لقطيع من الجواميس أمام ما تبقى منها في نهر جقجق بحي الطي في مدينة القامشلي، ويتحدث لصديقه عن الخسائر التي تكبدها بسبب انخفاض مستوى مياه النهر وتلوثه، وعلامات الاستياء لا تفارق تعابير وجهه.
يقول الحسين، لنورث برس، إنه كان يملك نحو 40 رأساً من الجواميس ولم يبقى منها سوى 6 رؤوس، مؤكداً أن غالبيتها نفقت بسبب انخفاض مستويات مياه النهر وتلوثه.
ويبين أن “الجواميس من قلة المياه وتلوثها قل عددها ونفق الكثير منها بسبب قطع المياه وانخفاضها كما ترون، يعني أكثر من نصف الجواميس في المنطقة نفقت، نحن نشتكي ونطالب الجهات المختصة بمساعدتنا قدر الإمكان والوضع بات كارثي”.
ويشدد على أن عدد الجواميس في الجزيرة السورية في الوقت الحالي انخفض إلى نحو3500 رأساً فقط.
خسائر زراعية
تقول مريم عائشة، مزارعة من ريف القامشلي، لنورث برس، إنه “في السنوات السابقة كان نهر جقجق جيداً جداً، وكانت مياه غزيرة”.
وتضيف: “كنا نستفيد من النهر بشكلٍ كبير في الزراعة، أمّا الآن وفي فصل الصيف خاصة لا نستفيد منه أبداً والنهر جاف بشكلٍ شبه تام”.
وتشير عائشة إلى أنه “إضافة إلى ذلك لا توجد آبار لدينا وبالتالي لا توجد مياه للسقي، وهذا ما يؤثر على زراعتنا ونخسر كثيراً وجميع جهودنا تذهب سدىً”.
وتناشد المزارعة الإدارة الذاتية بتقديم المساعدة للمزارعين وتقديم تسهيلات لهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها.
الواقع والأسباب
لا يختلف واقع مياه نهر جقجق الذي يبلغ طوله في الأراضي السورية نحو 124 كيلو متراُ عن غيره من الأنهار في مناطق شمال شرق سوريا، حيث تعاني أنهار الفرات والخابور وسدود المنطقة من المشكلة نفسها.
وتؤكد هيئة البيئة في مقاطعة الجزيرة أن مشكلة الجفاف هي مشكلة عالمية بسبب تغير المناخ بشكل عام، وأن المنطقة تأثرت بشكل كبير بسبب الجفاف وقلة الأمطار بالإضافة إلى السبب الأبرز وهو قطع تدفق المياه إلى شمال شرق سوريا من قبل تركيا.
ويشير منذر السليمان، مسؤول دائرة الرصد البيئي في هيئة البيئة في مقاطعة الجزيرة، لنورث برس، إلى أن هذه المشكلة “أثرت بشكل كبير على البيئة سواء على مستوى ارتفاع درجات الحرارة وخروج مساحات واسعة من الأراضي عن صلاحيتها للزراعية وأيضاً أثرت على الثروة الحيوانية كالثروة السمكية والمواشي نتيجة قلة وندرة المياه”.
ويضيف أن “المناطق التي كانت ترتوي على هذه المياه كانت مساحاتها كبيرة مثلاً بالنسبة لنهر جقجق كان يغذي 50 ألف دونم، وكما نعلم أن جميع هذه الأنهار في سوريا مصدرها من الأراضي التركية وبسبب ذلك قلت هذه المساحات ووصلت إلى النصف تقريباً”.
ويذكر” “كما أنه خرجت مساحات كبيرة من هذه الأراضي عن صلاحيتها للزراعة لأن تركيا تستخدم هذه المياه كمجاري للصرف الصحي الخارج من المدن الحدودية التركية”.
الآثار والإحصائيات
ويوضح السليمان أن آثاراً ونتائج عدة تترتب على هذا الانخفاض في مستويات المياه ومنها “خروج مساحات كبيرة من الأراضي عن تصنيفها من الأراضي المروية إلى بعلية، ومنطقتنا في انتاجيتها تعتمد على مياه الأمطار وهذه الأنهار وانخفاض هذه المياه أدى إلى تقلص مساحات كبيرة من هذه الأراضي، كمثال من كان يزرع ألف دونم اليوم يزرع 500 دونم أو أقل”.
ويؤكد السليمان أن مساحة الأراضي التي خرجت عن صلاحيتها الزراعة أو اتجهت إلى خط التصحر تقدر بنسبة 25% من مساحة مقاطعة الجزيرة.
ووضح بيانات هيئة البيئة في مقاطعة الجزيرة أن كمية المياه التي كانت تتدفق في نهر جقجق تصل إلى 3.26 متر مكعب في الثانية، وفي نهر الخابور تصل إلى 4 متر مكعب في الثانية إلا أن هذه الكمية انخفضت إلى دون النصف.
وتشير البيانات إلى أن المياه الجارية في هذه الأنهار باتت غير صالحة للري لأن نسبة المعادن والأملاح تجاوزت مستوى الخطورة أيضاً، بحسب مسؤول دائرة الرصد البيئي في هيئة البيئة في مقاطعة الجزيرة، منذر سليمان.
الإجراءات والمطالب
وعن الحلول يوضح مسؤول دائرة الرصد البيئي في هيئة البيئة في مقاطعة الجزيرة، منذر سليمان، لنورث برس أنه “بالنسبة للإجراءات والحلول بالتأكيد المناخ خارج السيطرة ونحن كهيئة البيئة نتجه نحو التشجير وتعديل المناخ وتقليل درجة الحرارة وزيادة المساحات الخضراء ضمن المنطقة”.
ويضيف: “أيضاً تشجيع الأهالي أو المزارعين على ترشيد استخدام المياه للري سواء بالري الحديث وتطبيق الدورة الزراعية للأراضي وفق خطط هيئة الزراعة، وطبعاً هنا نستطيع أن نحافظ على صلاحية التربة”.
ويبين: “بالنسبة لنا كمؤسسات الإدارة الذاتية ندعو جميع الجهات الفاعلة والدول المؤثرة للضغط على الجانب التركي لإطلاق حصة سوريا من مياه هذه الأنهار والمجاري التي يكون منبعها من تركيا وتدخل إلى الأراضي السورية”.
وتحاول بلديات المنطقة والمنظمات المحلية تقديم حلول من شأنها تخفيف أزمة جفاف المياه في الأنهار وتلوثها مثل تنظيف مجاريها إلا أنها لا تجدي نفعاً لأن الحلول الجذرية تبقى متعلقة في إزالة الأسباب الرئيسية التي تكمن في قطع تدفق المياه من قبل تركيا، بحسب المسؤول.