مدنٌ تختنق مرورياً.. هل من حلول لهذه المعضلة في شمال شرقي سوريا؟

زانا العلي/سامر ياسين/نالين علي – نورث برس

يحاول محمد ركن سيارته بالقرب من مشفى يقع على شارع رئيسي في الرقة، بعد سماع نداء من مكبرات الصوت في المساجد يدعو للتبرع بالدم، لكنه لم يجد مكاناً مناسباً، مما اضطر إلى تغيير مساره في رحلة استغرقت نصف ساعة لمسافة لا تتجاوز 500 متر بسبب الاختناق المروري.

“غيرت طريقي إلا أني ابتعدت عن المشفى ولم استطع العودة مشياً تحت ضربات أشعة الشمس التي تجاوز يومها 50 درجة مئوية، أي لم أتبرع بالدم لعدم وصولي إلى المشفى”، يقول محمد.  

هذه الحادثة لم تكن فريدة من نوعها؛ حيث يضطر عبد الله، وهو أيضاً من سكان الرقة، إلى سلك طريق أطول لتجنب الزحمة التي أصبحت من أبرز سمات أغلب مدن شمال شرقي سوريا.

ويقول لنورث برس: “قبل سنوات، كان من الممكن الوصول من دوار الدلة إلى دوار الساعة دون توقف، أما اليوم فنحتاج لساعة كاملة بسبب الازدحام”.

ويضيف بنبرة يأس: “سيارتي من التسعينات، ولم تكن هذه الزحمة موجودة في ذلك الوقت”.

فوضى مرورية

تشهد مدن شمال شرقي سوريا ازدحاماً غير مسبوقاً يتفاقم يوماً اثر يوم، بسبب ضعف البنية التحتية مقارنة بالزيادة المطردة في أعداد المركبات.

يشير محمود، الذي يعمل في مواقف السيارات المأجورة في الرقة، إلى أن ذروة الازدحام تبدأ من الساعة 9 صباحاً وتستمر حتى الواحدة ظهراً.

ويوضح: “نحن نعمل على تنظيم وقوف السيارات مقابل ألف ليرة سورية للساعة الواحدة. لكن الشوارع لا تستطيع استيعاب هذا الكم الهائل من السيارات، وهناك عدم التزام بركنها في الأماكن المخصصة، مما يزيد من حدة الفوضى”.

من جانبه يشير المهندس المدني أحمد إبراهيم إلى أن الاكتظاظ السكاني والازدحام المروري يتطلبان حلولاً جذرية، مثل إنشاء مواقف خاصة لكل بناية، وتوفير ساحات عامة لركن السيارات دون التأثير على أرزاق الباعة المتجولين.

ويشدد على أهمية تطبيق قوانين السلامة المرورية بصرامة. قائلاً: “يجب منع دخول الآليات الزراعية والشاحنات إلى المدينة أو تخصيص أوقات محددة لدخولها لتخفيف الضغط المروري، خاصة وأن أغلب الشوارع مدمرة بفعل الحرب”.

ويشير إبراهيم إلى عشوائية إغلاق الشوارع من قبل السكان، سواء بسبب خيم العزاء أو الحفر العشوائي أو البناء الجديد، بالإضافة إلى التعديات على المخطط التنظيمي للمدينة.

حوادث مرورية مميتة

وفقاً لأرقام الإدارة العامة للمرور (الترافيك) في شمال وشرق سوريا، بلغ عدد الحوادث المرورية في مناطق الإدارة الذاتية خلال عام 2023 حوالي 3600 حادث، أصيب فيها 2060 شخصاً وفقد 250 شخصاً حياتهم.

وفي عام 2024، تم تسجيل 2600 حادث مروري حتى الآن، أسفرت عن إصابة 1650 شخصاً ووفاة 185 آخرين.

ويعلق أيمن إبراهيم، من الإدارة العامة للترافيك، قائلاً: البنية التحتية في شمال وشرق سوريا لا تتحمل الكم الهائل من السيارات. على سبيل المثال، مدينة القامشلي مصممة لاستيعاب 3 آلاف مركبة، بينما تجاوز عدد المركبات فيها حالياً 60 ألف سيارة”.

يعود سبب كثرة الحوادث إلى عدم الالتزام بقوانين السير، التي تتضمن 230 مادة قانونية. وأغلب الحوادث تنتج عن السرعة الزائدة، القيادة من قبل القاصرين، وفقاً للإداري.

ويشير إلى أنهم يناقشون تعديل القوانين لتشديد العقوبات وتعزيز الالتزام به.

عودة إلى بداية القصة

ظهرت سيارات الإدخال في سوريا، عقب اندلاع الاحتجاجات الشعبية عام 2011، وتدخل هذه السيارات إلى مناطق الإدارة الذاتية عبر معبرين رئيسين، هما معبر سيمالكا الحدودي مع إقليم كردستان العراق، ومعبر عون الدادات في منبج، مع مناطق سيطرة فصائل المعارضة الموالية لتركيا.

ويشجع على اقتنائها محلياً تميزها بانخفاض سعرها مقارنة مع السيارات النظامية المسجلة لدى حكومة دمشق.

لكن المشكلات التي بدأت تظهر في ظل تدفقها بأعداد هائلة تزيد من حدة المخاوف، لا سيما مع تضافر الانتقادات التي تطال الإدارة الذاتية بهذا الخصوص.

زيور شيخو أحد المنتقدين لقرار الإدارة الذاتية بالسماح باستيراد السيارات المستعملة، “بدون أن توجد دراسة مستفيضة حول طبيعة البنية التحتية”.

ويقول الإداري في جمعية “جدائل خضراء” البيئية، لنورث برس: “كان من المفروض على مؤسسات الإدارة الذاتية التي اتخذت قرار الاستيراد، أن تأخذ بالحسبان سعة الطرقات وعدم وجود كراجات أو مساحات كافية لإنشائها”.

ويضيف: “غياب الخبرة الكافية في مؤسسات الإدارة الذاتية هي من الأسباب الرئيسية للأزمة التي نعيشها اليوم، من الجيد أنه التقليل من استيراد السيارات عبر شروط معينة، ولكن العدد الموجود حالياً لا يستهان به وسوف تخلق المزيد من الأزمات وخاصة على الصعيد البيئي”.

تحرير: محمد حبش