دير الزور .. المشاريع الصغيرة أمل الاندماج للخارجين من مخيم الهول

عمر عبد الرحمن – دير الزور

تنحدر عليا النجم، امرأة في التاسعة والثلاثين من عمرها، من ريف دير الزور الشرقي، ومنذ بداية عام 2020، كانت تعيش مع طفليها في مخيم الهول بعد أن فقدت زوجها وذويها في الحرب.

وتعكس تجربتها القاسية واقع العديد من العائلات التي عانت من ويلات الحرب في سوريا التي بدأت في عام 2011.

ظروف صعبة

تتحدث النجم لنورث برس، عن الظروف الصعبة التي واجهتها في المخيم، حيث كانت تخشى على أطفالها من التطرف الذي انتشر بشكل كبير بين قاطني المخيم.

وتقول: “لقد عانينا من غياب التعليم وانتشار الأمراض ونقص الرعاية الصحية والخدمية، بالإضافة إلى ذلك، كان هناك غياب للخصوصية بسبب تقارب الخيم.

ويعتبر مخيم الهول واحداً من أكبر المخيمات في العالم، حيث يضم آلاف النازحين الذين فروا من الحرب في سوريا والعراق.

وتضيف: “كانت تلك الأيام مليئة بالقلق والخوف، حيث كانت تحاول جاهدة حماية طفليها من تأثيرات البيئة المحيطة”.

وبعد سنوات من المعاناة، جاء الفرج أخيراً قبل حوالي شهرين، عندما تمكنت النجم من مغادرة مخيم الهول والعودة إلى من تبقى من أقاربها.

استقرت النجم في منزل مستأجر بتمويل من إحدى المنظمات الإنسانية في بلدتها، ومع ذلك، واجهت عليا تحديات جديدة، حيث كان بعض الجيران ينظرون إليهم بنظرة مشبوهة، بحسب قولها.

بداية جديدة

توجهت عليا إلى إحدى المنظمات العاملة في المنطقة، والتي تختص بإعادة دمج العائدين من مخيم الهول وتأهيلهم.

وتصف تجربتها بالقول: “كانت تجربة رائعة جداً حيث تعلمت الخياطة والتطريز وصناعة الملابس”.

الآن، بدأت عليا تعود إلى الحياة الطبيعية وتنسى أيام القهر والمعاناة في المخيم، فقد افتتحت مشروعها الصغير الخاص بتطريز وصنع الملابس، بفضل التمويل الذي حصلت عليه من المنظمة ذاتها.

تقول: “هذا المشروع يدر علي دخلاً جيداً يساعدني في إعالة نفسي وطفلي وتدبير أمور منزلنا”.

وتطمح عليا في المستقبل القريب إلى تطوير مشروعها وتوسيعه، حيث تأمل في إشراك عدد من النساء العاملات معها، خاصةً أولئك اللاتي عانوا مثلها في مخيم الهول.

وتدعو النجم المسؤولين والمنظمات الدولية والمحلية بالتركيز على العائدين من مخيم الهول وإعادة تأهيلهم ومساعدتهم ورعايتهم.

لحظات أليمة

ينحدر منصور الخليفة، وهو شاب في الثامنة والعشرين من عمره، من بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، والذي عانى أيضاً منصور من فقدان أشقائه ووالده نتيجة انفجار لغم أرضي من مخلفات الحروب بعد تحرير بلدتهم في عام 2020.

ويتذكر تلك اللحظات الأليمة، ويقول لنورث برس: “أضعت ثلاث سنوات من عمري في مخيم الهول، كانت تلك أقسى ثلاث سنوات في حياتي، لن أنساها أبداً، كنت أشعر وكأنني أعيش في سجن صغير، محاطاً بأفكار داعش المتطرفة التي لم أستطع التأقلم معها”.

ويتحدث الخليفة عن الإحباط وفقدان الأمل الذي كان يسيطر عليه خلال فترة وجوده في المخيم، حيث كان يفتقر إلى المعلومات حول الإجراءات اللازمة للخروج، “كنت أشعر كأنني محبوس، ولا أعرف كيف أخرج من هذا السجن”.

ويضيف: “لحسن حظي، حصلت على كفالة عشائرية من أحد وجهاء بلدتي، مما مكني من مغادرة مخيم الهول، بعد اجتيازي لإجراءات أمنية مشابهة لتلك التي يخضع لها الخارجون من المخيمات، عدت إلى بلدتي”.

ويذكر أنه “عندما عدت، شعرت وكأني ولدت من جديد، لكنني واجهت تحديات جديدة، حيث لم يكن لدي القدرة المادية للعيش أو إعادة تكوين نفسي، إذ لم أجد أي شيء من أغراض منزلنا”.

برامج تدريبية

يقول الخليفة في خضم هذه التحديات، انضممت إلى برنامج تدريبي في إحدى المنظمات المحلية، حيث تعلمت زراعة الخضروات وإدارة المشاريع الزراعية.

ويضيف أنه بفضل عزيمتي وإرادتي القوية، أصبحت ناجحاً في التدريب خلال فترة وجيزة، وبدأت أستثمر قطعة أرض صغيرة على أطراف نهر الفرات في بلدتي، ونجحت في إنتاج الخضار.

ويبين أنه اليوم يملك محلاً صغيراً لبيع الخضار التي ينتجها من أرضيه الزراعية، ويخطط لتوسيع مشروعه في المستقبل ليتمكن من إنتاج كميات أكبر وتوريدها للسوق.

ويؤكد أنه على الرغم من نجاحه، ما زال يواجه نظرة عدائية بعد خروجه من المخيم بسبب السمعة السيئة المرتبطة بمخيم الهول وأفكار تنظيم “داعش”.

الحياة بعد العودة

تقول عنود العفر، شابة من ريف دير الزور الشرقي، عائدة من مخيم الهول مؤخراً، الحياة لم تكن سهلة بعد العودة، فقد كانت التحديات لا تزال قائمة، وقررت أن أتعلم مهنة جديدة لمساعدة عائلتي في تلبية احتياجاتنا اليومية.

توجهت العفر كغيرها من النساء إلى أحد المشاريع التي تنظمها المنظمات المحلية، والتي تهدف إلى تعليم المهن ودعم العائدين من مخيم الهول.

وتضيف لنورث برس: “اخترت تعلم مهنة صناعة المنظفات، وقد أتقنتها خلال فترة زمنية قصيرة، وبفضل دعم المنظمة، حصلت على المواد الأولية والمعدات اللازمة، وبدأت العمل في منزلي”.

وتنتج العفر من منزلها عدة أنواع من المنظفات وتبيعها في بلدتها، قائلةً: “هذا العمل يدر علينا دخلاً جيداً يمكننا من تلبية احتياجات العائلية”.

ومع ذلك، لا تزال العفر تحمل هموم عائلتها وأسرٍ أخرى تعرضت للضرر بسبب الحرب، وتناشد الجهات المختصة بتعويضها عن منازلها المدمر، وتقديم الدعم لها ولجميع العائلات المتضررة التي كانت تقيم في مخيم الهول.

تحرير: محمد القاضي