حنين رمضان – دمشق
في المزة بدمشق، ينكب سامر المعروف بأبو علي على العمل في مشغل الفخار التقليدي الذي فتحه بعد نزوحه من مدينة حلب وإغلاق ورشته التي ورثها من أبيه وأجداده والتي دمرتها الحرب هناك.
قبل بدء الحرب في سوريا، كان أبو علي يملك معملاً في حلب بمنطقة الشيخ السعيد وكان ينتج آلاف القطع الفخارية والتي كانت تصدر إلى أغلب دول العالم.
وكان معمل أبو علي رفقة 13 معملاً آخر لأولاد عمه في حلب يعملون سويةً في مجال صناعة الفخار، ولكنه بعد الحرب لم يبقَ من أولئك إلا هو وأحد أبناء عمه، أم البقة فقد شتتهم الحرب السورية.
ورث أبو علي مهنة صناعة الفخار من أبيه الذي ورثها بدوره من آباءه، ورغم تحديات العصر الحديث والتطور التكنولوجي، يظل أبو علي محافظاً بشغف على صناعة الفخار، متجسداً في قطع فنية تحمل عبق التراث الثقافي السوري.
يعمل أبو علي في مجال صناعة الفخار التي ورثها من أجداده منذ قديم الزمان، ففي الماضي، كانت صناعة الفخار تُستخدم على نطاق واسع كوسيلة رئيسية للحفاظ على المياه وتخزين الطعام والمشروبات.
وفي الوقت الحاضر، أصبح استخدام الزجاج والبلاستك أكثر شيوعاً وأصبحت صناعة الفخار تعاني من انحسار في استخدامها.
ورغم تغيرات العصر والتطور التكنولوجي، يظل أبو علي مخلصاً لهذه الحرفة التقليدية ويحافظ على تقاليد أجداده في صناعة الفخار.
كما يعتبر أبو علي رمزاً للتراث الثقافي في دمشق ويسعى جاهداً للحفاظ على هذه الحرفة رغم التحديات التي تواجهها في العصر الحديث.
أهمية وتراث
يقول أبو علي إن صناعة الفخار تحتفظ بأهميتها في الوقت الحاضر لعدة أسباب، لأنها تساهم في الحفاظ على التراث الثقافي والتقاليد القديمة، وتُعتبر قطع الفخار فناً يمكن استخدامه في الديكور المنزلي والفنون التشكيلية.
ويضيف لنورث برس: “يُعتبر الفخار مادة قابلة لإعادة التدوير وصديقة للبيئة، مما يجعلها خياراً مستداماً، وكذلك تستخدم منتجات الفخار في العديد من الأغراض مثل أواني المطبخ والزهور والديكور المنزلي، كذلك تساهم في توفير فرص عمل للحرفيين والفنانين المحليين وتعزز الاقتصاد المحلي”.
وبينما كان أبو علي يعمل على تشكيل قطعة فخارية جديدة، شاركنا قصته قائلاً: “تعلمت هذه الحرفة من والدي الذي تعلمها بدوره من جدي”، مضيفاً أن “هذه المهنة جزء من هويتنا وتاريخنا، ولا يمكنني التخلي عنها بسهولة”.
ويبين أنه بالرغم من كل الصعوبات التي نواجهها اليوم، مثل ارتفاع تكاليف المواد الخام ونقص الزبائن، “إلا أنني أجد نفسي ملتزماً بالمحافظة على هذا التراث”.
ويذكر أن التكنولوجيا جلبت الكثير من التسهيلات ولكنها أيضًا أزاحت العديد من الحرف التقليدية، قائلاً: “الفخار له روح وعبق لا يمكن للآلات أن تستبدلهما، أؤمن أن هناك دائماً من يقدر الفنون التقليدية ويسعى للحفاظ عليها”.
تحديات وحلول
يعاني أبو علي وكثيرون من العاملين في صناعة الفخار من تحديات كبيرة في الوقت الحالي، من بينها ارتفاع تكاليف المواد الخام وقلة الدعم الحكومي وانقطاع الكهرباء لساعات طويلة، بحسب ما يقوله أبو علي.
ولكن رغم هذه التحديات، يواصل أبو علي النضال من أجل الحفاظ على هذه الحرفة، ويقيم ورش عمل ودورات تدريبية للشباب لتعريفهم بفنون الفخار التقليدي، ويعمل على تطوير تصاميم جديدة تجمع بين التراث والمعاصرة لجذب الزبائن الجدد.
وتظل قصة أبو علي مثالاً حياً على النضال من أجل الحفاظ على التراث الثقافي في وجه التحديات الحديثة، ورغم التغيرات السريعة في العالم، يظل هناك دائماً مكان للفنون التقليدية والقيم التي تمثلها، يقول أبو علي.
ويستمر أبو علي من خلال شغفه وتفانيه، في إبقاء شعلة هذه الحرفة مضاءةً، مؤمناً بأهميتها وضرورة انتقالها للأجيال القادمة.