مكان لتبادل القبل.. دور السينما في دمشق منارة ثقافية تتلاشى 

صفاء سليمان – دمشق

في الماضي، كانت دور السينما في دمشق منارات ثقافية تحتضن العائلات والأصدقاء، وتقدم لهم تجارب سينمائية مميزة. إلا أن هذا الواقع تغير بشكل كلي في السنوات الأخيرة، مع تدهور واضح في البنية التحتية والخدمات المقدمة.

أجرت نورث برس جولة استكشافية لصالات السينما في دمشق، ورصدت الواقع المزري التي تعيشها في ظل الإهمال والعوز الاقتصادي.

رحلة في قلب الظلام السينمائي

بدأت الجولة بصالة سينما مغلقة بدعوى الصيانة، حيث حول المتشردون مدخلها إلى مبولة، مع لافتة تحذر من التبول.

انتقلنا إلى صالة أخرى مغلقة، زجاجها محطم ومظهرها كئيب. وأخيرا، وصلنا إلى صالة تعمل، لكن استقبلتنا رائحة العفونة من المدخل العريض.

“هذه الصالات لم يدخلها هواء التكييف منذ عقد من الزمن ولم تدخلها الشمس يوما.” يوضح أحد العاملين في دور السينما.

داخل قاعة العرض، كانت المشاهد مؤسفة، بعض المقاعد مكسورة وأخرى مفقودة وكان ذلك في صالة غنت فيها أم كلثوم خمسينات القرن الماضي.

عدد الحضور، لا يتجاوز 25 شخصا، معظمهم لم يبلغ أعمارهم 18 عاماً، و اتخذوا ركناً بعيداً في ظلام الصالة. وشخص آخر ينام على مقعد بثمانية آلاف ليرة سورية، ثمن تذكرة الدخول؛ وهي أرخص أجرة للنوم في مدينة تكاليفها باهظة.

مشاهد مخلة بالآداب

وسط أجواء مظلمة داخل صالة السينما، خلال العرض شوهدت بعض المواقف التي تعكس تدهورا  في المعايير الثقافية والاجتماعية لدور السينما في دمشق.

شابٌ يجلس بجانب فتاة، حيث كان يداعب شعرها بشكل متكرر. كانت الفتاة مستسلمة لهذه اللمسات، فيما كانت الأنوار الخافتة من الشاشة تلقي ظلالا على وجهيهما.

في زاوية أخرى، كان هناك شاب وفتاة يتبادلان القبلات بشكل علني، غير مبالين بمن حولهم. كانت يداهما متشابكتين، فيما كان يقبلها على شفتيها وخديها، غارقين في لحظة رومانسية خاصة بهما، رغم الأجواء العامة غير المناسبة.

وفي صفٍ آخر، كان مجموعة من المراهقين يأكلون السندويش، محولين الصالة إلى مكان أشبه بمطعم صغير. كانت أصوات مضغ الطعام والتعليقات الجانبية تملأ الجو، مما يضيف لمسة أخرى من الفوضى إلى المكان.

الحنين إلى الماضي.. شهادات من الداخل

محمد، طالب في المعهد العالي للسينما، يقول لنورث برس: “زرت العديد من الصالات بهدف إقامة مهرجان للأفلام القصيرة، لكن أغلبها غير مجهزة تقنيا ومقاعدها تالفة”.

ويضيف: “للأسف، رأيت مراهقين يتبادلون القبل، وهو أمر مؤذ لأن هذه الصالات يجب أن تكون أماكن للثقافة.”

أما ربيع ، ممثل مسرحي، فقد استرجع ذكريات طفولته قائلاً: “كان الذهاب للسينما  في الأعياد كالاحتفال بالنسبة لي. عندما قمت بجولة على الصالات الحالية، فوجئت بمناظر مزرية”.

ويشير إلى أن هناك ضعف في الإمكانيات ولا يوجد دعم لهذه الأماكن المقدسة ثقافيا. قائلاً: المراهقون حولوا الصالات إلى أماكن لا تمت للحياء بشيء. أتمنى أن تعود دور السينما كما كانت.”

محاولات حكومية بائت بالفشل

على الرغم من محاولات الحكومة السورية للاحتفاظ بصالات العرض السينمائية الخاصة، إلا أنها باءت بالفشل.

 ورغم تعديل القوانين في عام 2000 للسماح بتحويل الصالات إلى مولات بشرط الاحتفاظ بصالة سينمائية صغيرة وإعفائها من الضرائب إذا تم ترميمها، إلا أن أحدا لم يقترب من هذا الخيار. فقد أصبحت هذه الصالات ملكا لورثة غير مكترثين يعرضونها للاستثمار على حالها.

وقام بعض المستثمرين بتحويل صالات السينما إلى أماكن لعرض المباريات الرياضية، مع إعلانات ترويجية لهذا الغرض.

وعلى غرار صالة العرض كانت الكافيتريا التابعة لها، نظيفة وبسيطة، مليئة بالزبائن. كانت الأسعار أرخص مقارنة بالكافيتريات الأخرى، نظرا للإعفاء الضريبي الممنوح لها.

يشير ماهر، وهو مستثمر إحدى الصالات، إنهم يعانون من انعدام الدعم قائلاً:  “معاناة المستثمرين كبيرة جدا، لا يوجد دعم ولا كهرباء، وتكاليف الاستمرار ترتفع. أفكر في الإغلاق قريبا”.

ويضيف: “إذا اشتريت بطارية ستكلفني مليونين ليرة. لدي عائلة ومصاريف، ولدي خمسة عمال، حضور الفيلم لا يتجاوز 25 شخصا، وثمن تذاكرهم لا يساوي تكلفة صحن سلطة.”

ورفض ماهر  التعليق حول تحوّل صالات السينما إلى أماكن تمارس فيها أنشطة مخلة بالآداب العامة.

تحرير: محمد حبش