معاناة لآلاف السكان والنازحين.. بلدة بريف الحسكة تفتقر لأطباء مختصين
سامر ياسين – تل تمر
يتذّكر علي الهشّي بخوف، الحادثة التي حصلت مع جارته قبل عدة أشهر، حيث توفت إثر تعرضها لنوبة قلبية في القرية التي يقطنوها سوياً، وعندما قام ذووها بإسعافها إلى بلدة تل تمر حيث لا يوجد طبيب مختص بالأمراض القلبية هناك، ما أجبرهم لنقلها من البلدة إلى الحسكة، قبل مفارقتها للحياة إثر توقف قلبها عن العمل في منتصف الطريق.
علي الهشّي، ذو الخامس والستين ربيعاً، من سكان قرية أم الكيف بريف تل تمر الشمالي، كان قد نزح وعائلته إلى قرية تل نصري جنوبي البلدة، إبان عدة استهدافات تعرضت لها قريته من قبل الفصائل المسلحة الموالية لتركيا، حيث تقع قريته على خط النار.
وتحوي بلدة تل تمر مشفًى تابعاً لمنظمة الهلال الأحمر الكردي، ومشفى آخر خاص، ولكن منذ بداية اجتياح تركيا والفصائل الموالية لها مدينة سري كانيه (رأس العين) ووصولهم لتخوم البلدة، أفتقد هذان المشفيان أطباء أخصائيين في عدة مجالات وأهمها الأمراض القلبية.
خوف من عدم الوصول للمدن الكبرى
يعاني الهشي من أمراض عديدة أهمها القلب والسكري، وارتفاع مستمر في الضغط الشرياني، مما يجبره على مراجعة طبيبه بشكل أسبوعي في مدينة الحسكة، بحكم عدم وجود طبيب أخصائي بهذه الأمراض في البلدة التي تبعد عن قريته 2 كم فقط.
ويضيف لنورث برس: “لو كان هناك طبيب مختص بالأمراض القلبية في تل تمر، لما تكلفنا عناء الذهاب إلى المدن الأخرى بشكل شبه يومي، إلى جانب التكاليف الباهظة في التنقل، عداك عن الخطورة الكبيرة في حال حدوث أي طارئ، حيث يمكن السيطرة عليه في منطقة تبعد 2 كم، ولكن في مناطق تبعد عنك ساعات سيكون الأمر خطيراً ومن الممكن أن يؤدي إلى الموت”.
ويشتكي علي الهشي من عدم وجود أطباء مختصين في بلدة تل تمر، رغم الكثافة السكانية العالية في المنطقة، واحتواء الآلاف من اللاجئين من عدة مناطق، حسب تعبيره.
تكاليف باهظة وخطورة عالية
يقول حسن الجمعة (62 عام)، أيضاً من سكان ذات القرية، ويعاني منذ 5 سنوات من أمراض في القلب، وانسداد في الشرايين، ويذهب في الشهر 4 مرات على الأقل إلى مدينة الحسكة لمتابعة أمراضه مع طبيبه المختص هناك.
يشتكي الجمعة متخوفاً من عدم وجود طبيب مختص بالأمراض القلبية في تل تمر، وسرد لنورث برس، قصة حصلت معه قبل فترة قصيرة قائلاً “في الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً في إحدى الأيام، تعرضت لنوبة قلبية خطيرة، وأسعفني أولادي إلى مشفى في تل تمر، وبدورهم قاموا بإعطائي دواء يخفض ضغط الدم، وأرسلوني إلى الحسكة مباشرة بسيارة خاصة”.
ويضيف: “بالكاد وصلت إلى مشفى في مدينة الحسكة، وكانت حالتي قد تأزمت بشكل كبير، ولكن أنا متخوف من تكرار هذه الحادثة دون وصولي إلى مدينة الحسكة، فمن الممكن أن تكون النوبة القادمة أخطر من التي تعرضت لها سابقاً”.
إلى جانب خطورة الموضوع يشتكي الجمعة من تكاليف باهظة تدفع بشكل مستمر في حال قرر الذهاب إلى طبيبه للمراجعة في مدينة الحسكة، بالإضافة إلى تكاليف كبيرة جداً ترتب عليه في حال نقله إسعافياً للمدن الكبرى، كوسيلة النقل الخاصة أو الإسعاف، وتكاليف المنامة والعلاج في المشافي الخاصة في المدن، حسب قوله.
على خط النار ووضع مادي متدهور
بدوره يوضح مدير مشفى الخابور الخاص ولات فرحان، لنورث برس، أسباب عدم وجود أطباء مختصين بأمراض معينة والخطيرة منها في بلدة تل تمر، قائلاً: “وقوع تل تمر بمنطقة حدودية أي على خطوط النار، مما يجعل المنطقة غير مستقرة من الناحية الأمنية، وتحمل مخاوف أمنية كبيرة، مما يشكل خوف لدى الأطباء من القدوم إلى بلدة تل تمر والإقامة فيها”.
ويضيف: “السبب الآخر هو السبب المادي أو الاقتصادي، فالمستوى الاقتصادي للسكان المتواجدون في بلدة تل تمر وريفها، هو مستوى متدنٍ نوعاً ما فأغلبيتهم من محدودي الدخل والمزارعين ويعتمدون على الزراعة كعمل رئيسي لهم، مما لا يلبي احتياجات أو رغبات الأطباء المختصين من الناحية المادية”.
ويصف مدير مشفى الخابور، نتائج عدم وجود أطباء مختصين في البلدة بالكارثية، بسبب قدوم حالات للمشافي تستوجب وجود طبيب مختص وتدخله بشكل فوري، فعدم وجوده أحياناً يصل بالمريض للوفاة، حسب فرحان.
ويبين أنه “إلى جانب الخطورة العالية هناك تكاليف كبيرة وباهظة تترتب على المريض في حال عدم وجود أخصائي في البلدة، لأن المريض يضطر للذهاب إلى المدن الكبرى بسيارة خصوصية ودون توجيه مباشر فمن الممكن أن يراجع أكثر من طبيب للوصول إلى الاختصاص المناسب لحالته، هذا يزيد الأعباء بشكل كبير على المرضى في المنطقة”.
ويحذّر مدير المشفى من استمرار عدم وجود أطباء أخصائيين في البلدة، حيث أن هناك أطباء باختصاصات عامة وأطفال، ولكن الاختصاصات الخطيرة كالقلبية تفتقر لها البلدة، سوى طبيب واحد فقط يداوم في المشفى ذاته، يومين في الأسبوع فقط، ولكن لا يكفي ولا يفي بالغرض بشكل دائم، فمن المحتمل حدوث حالات طارئة وخطيرة كنوبات الجلطة أو الاحتشاء القلبي، حينها سيكون الوضع خطيراً ومن الممكن ان ينتهي بالوفاة، حسب تعبيره.