آردو جويد – حلب
يحتاج محمد نعناع (55 عاماً)، وهو من سكان حي السبيل في حلب، إلى حوالي 100 مليون ليرة سورية لإجراء عملٍ جراحي لقلبه لوضع بالون ضمن شرايين القلب، وذلك بسبب فقدان الأدوات والمستلزمات الخاصة بالعملية في المشافي الحكومية.
ويعاني سكان المدن ضمن مناطق الحكومة السورية من أزمات اقتصادية وصلت آثارها أخيراً إلى الرعاية الصحية المدعومة للفئات المستضعفة، مثل عمليات القلب المفتوح والتي تعتبر من الإجراءات الحساسة لإنقاذ حياة المرضى ذوي الدخل المحدود.
وهنا يطرح الكثير من التساؤلات في مثل حالته وإمكانية الحصول على الرعاية الصحية في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة وانعدام طرق تأمين المبلغ المطلوب من خلال مردود أي عمل داخلي في ظل الانهيار الاقتصادي وقلة فرص ادخار مبلغ من أي عمل.
لم تعد بالمجان
لم تعد المشافي الحكومية تقدم مستلزمات الرعاية الطبية بالمجان كما كانت في العقد الماضي وأصبحت تختصر على الإقامة المجانية ومتابعات طلاب الطب للمرضى بإشراف طبيب مختص لكل اختصاص يتواجد ضمن المشفى بحسب الضرورة.
ويشتكي محمد نعناع بعد خرجه من مشفى الباسل لجراحة القلب، وهو المشفى الثاني بعد مشفى ابن الرشد المختص بأمراض القلب في مدينة حلب، عدم توفر شبكات قلبية وبالون ضمن المشافي الحكومية.
وكانت المسؤولة الصحية في منظمة الصحة العالمية، قد أعلنت في وقتٍ سابق، إن سوريا تواجه “أزمات متعددة الطبقات، مع 13 عاماً من الحرب الأهلية، وعقوبات، وزلزال كبير وقع العام الماضي، بالإضافة إلى الوضع الجيوسياسي المعقد”.
وأضافت أنه تعمل فقط 65% من المستشفيات و62% من مراكز الرعاية الصحية الأولية بكامل طاقتها، وتعاني من نقص حاد في الأدوية والمعدات.
ويضيف نعناع، لنورث برس، أن مشافي القلبية دون قلب ورحمة على الفقراء ومن لا يملك 100 مليون عليه انتظار الموت السريري، واصفاً إجراء الفحوصات في المشفى الحكومي “بقلة الواجب وعدم احترام الإنسانية التي خصصت لها تلك المنشآت لرعاية الانسان”.
وتعتمد مشافي الحكومية على دخول المريض إلى قسم الإسعاف ضمن حالات الطوارئ وبعد اجراء فحص أولي من قبل طلاب الطب بحسب شكاية الحالة يطلب من المرافق إجراء ورقة قبول لاستكمال الفحوصات الطبية من تحاليل الدم أو الصور الشعاعية وإن تطلب الأمر إحدى الصور البانورامية يحول المريض للجنة لإجراء فحص سريري للإقرار بوجوب إجراء الصورة.
ويبين نعناع، أنه تكفل بكل مستلزمات الإكسسوارات الطبية من خارج المشفى لإجراء عملية القسطرة التي تسبق عملية القلب المفتوح للكشف على أماكن تضيق عمل الشرايين، بعد حصوله على دور ضمن قوائم الانتظار، مضيفاً أنه قد يتم التواصل مع المريض خلال شهرين بحسب سير الحالات الطبية.
موت ببطء
يقول رضوان مسلاتي (45 عاماً)، وهو من سكان حي شارع النيل بحلب، أنه حصل على تشخيص من مشفى ابن الرشد بضرورة إجراء قسطرة قلبية بعد فحص الجهد الكشف عن مشاكل التعب والإرهاق التي تلزمه من فعل أي جهد كان.
ويضيف مسلاتي، لنورث برس، أنه لعدم تمكنه من تأمين تكاليف العمل قصد طبيب مختص الذي وصف له بعض الأدوية المساعدة على الراحة وفتح الشرايين المتضيقة إلى حين قدرته على دفع مليونين تكلفة القسطرة ضمن مشفى السلام الخاص.
ويشير إلى أن بعض المرضى قد يضطرون إلى اتخاذ قرارات صعبة، مثل التخلي عن العلاج اللازم لأن التكاليف تفوق قدرتهم المالية، وهو أولهم وهو يصف دور الفقر كعامل مؤثر في حق الوصول إلى الرعاية الصحية.
ويبين أن المعدومين اقتصاديا غالباً ما يواجهون عواقب وخيمة نتيجة عدم قدرتهم على تحمل تكاليف العلاج، وأن التوجه نحو الموت بسبب الفقر هو واقع مرير يعيشه الكثيرون، مما يجعل الواحد منهم يتساءل عن مدى إنسانية النظام الصحي القائم.
ويطالب مسلاتي الحكومة الغائبة عن مسؤولياتها بدعم الكوادر الصحية التي تعاني من انعدام تضافر أي جهد لتوفير نظام صحي أكثر استدامة وخاصة للأسر ذات الدخل المنخفض.
وتعاني مناطق سيطرت الحكومة السورية من تأثيرات عميقة في حق الوصول إلى الرعاية الصحية خاصةً فيما يتعلق بعمليات القلب المفتوح التي تعتبر الأشد حاجة وتختصر في إطار القدرات الاقتصادية، تاركتاً الفقراء في مواجهة الموت ببطء.
السرقات تضاعف التكاليف
يتكلف المرافق المريض في شراء كافة مستلزمات الأعمال الطبية من أجهزة نقل السيرومات وجهاز نقل الدم وصولاً إلى أدوات الاستخدام للمرة الواحدة ضمن الأعمال الطبية.
ويقول أحمد ياسين، وهو اسم مستعار لموظف من مشفى الباسل لجراحة القلب بحلب، إن الخدمات الطبية تقلصت تدريجياً خلال سنوات الحرب لأسباب عديدة منها عدم توفر المطلوب ومنها سرقات واستغلال لمناصب شخصية ضمن المشفى.
ويضيف أن الإكسسوارات الطبية كلها تباع بعدة طرق من المشفى ويعاد طلبها من المرضى من الصيدلية الموجودة ضمن حرم المشفى ولجنة المشتريات لا تقدم على أي مناقصات لشراء أي معدات إلا لحين نفادها للتمكن من تقديم طلب شراء حر من المدير الذي يوافق بالسعر الموجود ضمن الأسواق.
ويشير إلى أن مشفى الباسل تراجعت توفير الشبكات القلبية كباقي المشافي المختصة في اللاذقية ودمشق منذ عام 2014 ولا تقدم إلا باستثناء من الوزير حصراً والمشافي تشتريها من السوق الموازي بعد طلب الوزير للكلفة المرتفعة.
وتتضمن تكاليف عملية القلب المفتوح عدة جوانب، منها تكلفة الإقامة في المستشفى، وتكلفة المستلزمات الطبية، وأجر الطبيب، ويخضع المشافي لقسمين الأول عام والثاني خاص والأخير يدفع المريض تكلفة إقامة ثلاثة أيام تصل إلى 5 ملايين ليرة، وقيمة بالون القلب التي تبلغ 17 مليون ليرة، وإكسسوارات طبية أخرى تصل لــ 20 مليون ليرة، وأجور الطبيب المختص 65 مليون ليرة سورية.