عمر عبد الرحمن – دير الزور
محمد المحمد، اسم مستعار لأحد مستثمري الآبار النفطية في دير الزور، يروي لنورث برس أنه يعمل في مجال الاستثمار النفطي في المنطقة منذ ثلاث سنوات. كانت الأشهر الأولى للعمل تسير بشكل جيد، ولكن الأمور تغيرت عندما وصلته أول رسالة من رقم وهمي يدعي صلته بتنظيم داعش، حيث طلب منه مبلغ ألفي دولار كجباية وضريبة لما يسميه “بيت المسلمين”.
ويضيف محمد: “ترددت في البداية بين الدفع أو التبليغ أو تجاهل الرسالة، ولكن مع مرور الوقت، بدأت رسائل التهديد تزداد حدة. وفي صباح أحد الأيام، وجدت ورقة معلقة على سيارتي تهددني بالقتل في حال الامتناع عن الدفع، وكانت الورقة مختومة بختم التنظيم.
تهديد واتاوات
ويعيش السكان في ريف دير الزور الشرقي على وقع تهديدات مستمرة، مصدرها خلايا لتنظيم “داعش”، أو أنها تدعي انتسابها له بهدف جمع المال عبر فرض إتاوات على أصحاب الأعمال ورؤوس الأموال.
في محاولة للتفاهم، قرر محمد التواصل مع الشخص الذي أرسل الرسالة للاستفسار عن كيفية تسليم المبلغ. تم تسليم المبلغ لشاب ملثم يستقل دراجة نارية بالقرب من الحراقات النفطية في بلدة، “لاحظت وجود دراجات أخرى قريبة من المكان يستقلها ملثمون يحملون أسلحة.”
يضيف المستثمر: “بعد تسليم المبلغ، وصلتني رسالة من التنظيم تفيد بأن هذا المبلغ يجب دفعه في بداية كل شهر. حاولت تجاهل الرسائل، ولكن بعد مرور شهر، تلقيت رسالة نصية أخرى تهددني بدفع مبلغ الألفي دولار. قررت إبلاغ قوى الأمن الداخلي (الآسايش) وقوات سوريا الديمقراطية وحذف الرقم مرة أخرى”.
لم تردع الجهات الأمنية التنظيم، وبعد يومين، ألقى عناصر التنظيم قنبلة صوتية على منزلي كرسالة تحذير. وبعد يومين آخرين، استهدفوا صهريج نفطي في البئر الذي استثمره، مما أدى إلى احتراقه واحتراق البئر بالكامل.
“اضطررت للدفع مرة أخرى بنفس الطريقة الأولى، لكن هذه المرة كانت المعاملة أشد رهبة، حيث تم تهديدي بالقتل إذا أقدمت على الإبلاغ مرة أخرى أو تأخرت في الدفع”. يشير محمد.
نتيجة لهذه الضغوطات، اضطر محمد ترك عمله في الاستثمارات النفطية والتخلي عن مصدر رزقي في سبيل الابتعاد عن تنظيم التهديدات والابتزاز.
ويختم قصته لنورث برس قائلاً: “من خلال تجربتي المؤلمة، ليس لديه نصيحة واضحة لأقدمها للأشخاص الذين يتعرضون للابتزاز من قبل داعش” ويضيف بعد صمت قصير: “لقد عانيت كثيرا من هذا الموضوع ولم أجد حلاً”.
يعكس قصة محمد الواقع المرير الذي يعيشه العديد من المستثمرين في دير الزور، حيث يجدون أنفسهم في مواجهة تهديدات تنظيمات مسلحة تستغل الظروف الأمنية لتحقيق موارد مالية لنشاطاتهم.
التأثير الاقتصادي
تتعدد أساليب التهديد، حيث يقوم عناصر التنظيم بتعليق ورقات مختومة على أبواب منازل الضحايا أو سياراتهم، بالإضافة إلى إرسال رسائل عبر تطبيق واتساب.
هذه المضايقات دفعت العديد من التجار إلى التوقف عن العمل، حيث اختار بعضهم دفع المبالغ المفروضة، بينما هاجر آخرون بحثًا عن أمان أفضل.
فهد العبد، أحد تجار المواشي ومربي الأغنام من ريف دير الزور الشرقي اللذين تضرروا من هذه الممارسات. يقول لنورث برس: تلقيت رسالة نصية في بداية العام الحالي، تفيد بفرض دفع مبلغ ألف دولار أو تسليم عشرة رؤوس من الأغنام كجباية مالية.
ويضيف: “في البداية، ترددت وعارضت هذا الطلب، محاولا شرح أن هذا المبلغ ليس بالهين وأنه فوق طاقتي. لكن مع تصاعد حدة التهديدات، لم يكن أمامي خيار سوى الاستسلام للأمر الواقع”.
الهروب من التهديدات
ويروي العبد تجربته في دفع الفدية قائلاً: قمت بدفع المبلغ المطلوب، حيث وضعت النقود في كيس أسود بجانب كشك مدرسي، وطلب مني ترك الكيس والمشي للأمام دون أن أنظر إلى الوراء. سمعت صوت دراجة نارية وصيحات “الله أكبر”، ولم أستطع الالتفات”.
ويضيف: “بعد مرور حوالي ثلاثة أشهر، جاءني طلب آخر بدفع مبلغ 700 دولار. وعندما قمت بالرد بأنني قد دفعت سابقًا، بدأ الشخص المرسل بتهديدي بشكل مباشر. وعندما رفضت الدفع، تعرض منزلي لطلقات نارية من سلاح الكلاشنكوف”.
“بعدها، قام عناصر التنظيم بمراسلتي من رقم آخر مهددين إياي بالقتل. طلبت منهم مهلة خمسة أيام حتى أتمكن من بيع بعض أغنامي، وتمت الموافقة على ذلك. في اليوم التالي، قمت ببيع أغنامي ومنزلي وخرجت من مناطق دير الزور التي لا يزال تنظيم داعش يفرض فيها هيمنته وقوانينه على السكان”. يقول تاجر المواشي.
ظاهرة شائعة
يقول جميل الحسن، وهو ناشط مدني من أبناء ريف دير الزور، إن فرض الإتاوات قد أصبح مؤخرا ظاهرة شائعة تؤثر على مستثمري الآبار النفطية وتجار الجملة وموظفي المنظمات والميسورين من أصحاب العقارات.
ويضيف” “هؤلاء الأفراد يتعرضون لابتزاز وتهديد مستمر من قبل مجموعات مرتبطة بتنظيم داعش، التي تفرض عليهم مبالغ مالية تحت مسمى الزكاة”.
ويشير الحسن أن هذه الممارسات تجبر السكان وميسوري الحال للامتثال لأوامر تنظيم داعش وفقدان شغفهم بإعادة إعمار مناطقهم المدمرة. ويطالب بضرورة إيجاد حلول ناجعة لوقف هذه الانتهاكات وإعادة إعمار المجتمعات المتضررة.