انتخابات مجلس الشعب السوري بين “استحواذ الحزب الحاكم ونظام المحاصصة”

غرفة الأخبار – نورث برس

تلجأ حكومة دمشق في انتخاباتها البرلمانية التي يتم عقدها كل أربع سنوات إلى نظام معين لا تغيير به منذ عهد الرئيس السوري السابق حافظ الأسد وحتى يومنا هذا، حيث تلجأ بكل دورة انتخابية إلى توزيع المقاعد وفقاً لاختيارات الحزب الحاكم “حزب البعث”، ووفقاً للمحاصصة العشائرية والطبقية والتي يتم من خلالها انتقاء شيوخ العشائر ورجال أعمال ومتنفذين ضمن مؤسسات الدولة السورية بقطاعاتها العامة والخاصة والتوجيه لصالحهم طوال فترة الدعاية الانتخابية.

“الاستئناس الحزبي” الخطوة الأولى للاستحواذ والسيطرة

يحدد مجلس الشعب السوري كل أربعة أعوام تاريخاً لإقامة انتخاباته “التشريعية” بعد موافقة رئيس الجمهورية على الموعد وإمضائه على القرار، ليقوم بعدها حزب البعث في المحافظات السورية بعقد اجتماعاته قبل الانتخابات وطرح ما يسمى بالاستئناس الحزبي حيث يتم اختيار قائمة من “البعثيين” المتزمتين بمبادئ الحزب والمعلنين التبعية الكاملة له، وعلى سبيل المثال في محافظة الحسكة تم اختيار 44 بعثياً بالاستئناس الحزبي وهم من نالوا أعلى نسبة أصوات من بين البعثيين المترشحين للمجلس.

وتم بعدها تحويل الأسماء إلى دمشق فتمت عملية التصفية والغربلة من قبل القيادة المركزية للحزب بدمشق حيث اختاروا 10 أسماء توزعوا على فئتين من أصل 14 مقعداً ومقعد واحد ذهب لحزب سياسي آخر، وأطلقوا على الأسماء التي تم اختيارها اسم (قائمة الوحدة الوطنية)، وبذلك يتم فرضهم على الناخبين من دون انتخابهم في ظل تهميش واضح لجميع الأحزاب السياسية الأخرى المرخصة لدى حكومة دمشق.

مقاعد قليلة تخضع للمحاصصة العشائرية ولمتنفذين

بعد اختيار “قائمة الوحدة الوطنية” والتي تشغل نسبة أكثر من 75% من مقاعد مرشحي كل محافظة، تبقى المقاعد القليلة والتي تخضع للانتخاب عبر صناديق توزعها الحكومة على كافة أرجاء كل محافظة، فترى القيادات السياسية تذهب لتوجيه الناخبين وخاصة البعثيين منهم على وضع أسماء معينة إما أن يكونوا شيوخاً للعشائر أو رجال أعمال أو متنفذين لدى الدولة سواء بقطاعاتها العامة أو الخاصة، ويتم التوزيع في كل منطقة حسب تكويناتها المجتمعية والطبقية.

فالتركيز مثلاً في الجزيرة السورية يتم على التوجيه لشيوخ القبائل والعشائر كونهم يقودون الكثير وراءهم من أبناء العشائر والقبائل الذين يوالون شيخهم دائماً ولديهم مكسب كبير يحققونه لصالح الحكومة ولحزب البعث بذات الوقت، وهذا ما نلاحظه من خلال لافتات الدعاية الانتخابية حيث نرى غالبية المرشحين من شيوخ العشائر ومن المتنفذين ضمن قطاعات الدولة السورية.

قيادة “البعث” تخالف نتائج الانتخابات التمهيدية

أثارت نتائج الانتخابات التمهيدية الأخيرة لمجلس الشعب السوري جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث اتهم البعض القيادة “البعثية” بالخروج على نتائج هذه الانتخابات والسعي للاستحواذ على غالبية مقاعد المجلس.

وقال رؤوف العلي وهو محامٍ ومحلل سياسي في حلب، إن الشارع السوري يبحث عن الجديد في هذه الانتخابات، وأن تكون حاملاً لسيم الديمقراطية التي تعتبر أساس الحكم الرشيد والتنمية المستدامة في أي مجتمع، فإن أي انحراف عن هذه المبادئ الديمقراطية يشكل تهديداً خطيراً على مسار التطور والتنمية في المجتمع.

وأضاف “العلي” لنورث برس، “نحن نقف على الجهة المقابل في الحركة السياسية ولم ننسحب إلى الآن منها، ولا نزال نراقب التحركات في الممرات الواصلة لتحت القبة بما فرضته قيادة حزب البعث وتجاوز نتائج الانتخابات التمهيدية”.

وأوضح أن الشارع السوري يشاهد استحواذ حزب البعث على 168 مقعداً من أصل 250 في مجلس الشعب، بنسبة 67.2%، تاركاً لشركائه في الجبهة الوطنية التقدمية 16 مقعداً بنسبة 6.4%. وبالمقارنة مع انتخابات الإدارة المحلية في عام 2022، كانت حصة البعث 79.8%، مما يؤكد على ميله المستمر نحو الاحتكار والسيطرة على المشهد السياسي.

وذكر أن دور المرأة في القوائم المنبثقة عن هذه الانتخابات تشكل مصدر قلق آخر، فقد بلغت نسبة النساء في القوائم 11.4%، وهي أقل من نسبتهن في انتخابات الإدارة المحلية في عام 2022 والتي بلغت 12.5% فقط، وهذا يعد انعكاساً لعدم الاهتمام الكافي بتمكين المرأة وإشراكها في صنع القرار السياسي.

وطالب في تصريحه، الحكومة بإجراء انتخابات حرة ونزيهة تعكس إرادة الشعب السوري وتضمن تمثيلاً عادلاً لجميع مكونات المجتمع، بما في ذلك المرأة، من أجل تحقيق التنمية المستدامة، بحسب قوله.

إعداد: آردو جويد – تحرير: سعد اليازجي