نشاطات بلا جمهور.. لماذا تراجعت الحركة الثقافية في دمشق؟
صفاء سليمان – دمشق
أبو رضوان، حارس مسرح القباني بدمشق، يتحدث بحنين عن الأيام الخوالي وكيف تراجعت الحركة الثقافية في العاصمة السورية.
ويقول لنورث برس: “مسرح القباني ليس مجرد مكان، بل هو صرح حضاري شهد عروضا لأجيال مهمة من محبي المسرح، أمثال المرحوم الدكتور فواز الساجر والدكتور شريف شاكر”.
ويضيف متحسراً، “في زمن مضى، كان الالتزام بأخلاقيات الحضور ملموساً وراسخاً، مما يزيد من شعور الفقدان في ظل التراجع الحالي”.
يستذكر أبو رضوان الذي يُطلق على نفسه “حارس المكان والذاكرة”، بتأثر بالغ كيف كان الحضور للمسرح والموسيقى يتمتعون بأعلى درجات الاحترام والالتزام.
“عندما يصل الجمهور متأخراً، كانوا ينتظرون خارجاً حتى تنتهي المعزوفة الأولى، ثم يدخلون أثناء تصفيق الجمهور، في مشهد يعبق بالرقي والتقدير للفن” يقول الحارس.
مراكز ثقافية بلا جمهور
تشهد دمشق تراجعا ملحوظا في النشاط الثقافي، وهو أمر ينعكس بشكل كبير على الحياة الثقافية في المدينة التي كانت تعد سابقا عاصمة الثقافة العربية.
هذا التراجع يعزى إلى عدة أسباب، منها سوء الأوضاع المعيشية وفقدان اهتمام الشباب بالثقافة، مما أدى إلى فقدان الثقة بين الثقافة الرسمية والجمهور.
دمشق، التي كانت معروفة بحياتها الثقافية النشطة، تضم اليوم ثمانية مراكز ثقافية رئيسية، وهي مراكز أبو رمانة والعدوي وكفرسوسة والميدان والمزة وجوبر والمجمع الثقافي في دمر. بالإضافة إلى صالة سينما واحدة، هي سينما الكندي، وصالتي مسرح هما الحمراء والقباني، ومسارح دار الأوبرا.
على الرغم من ذلك، تعاني هذه المراكز من قلة الحضور بشكل ملحوظ. نشاطاتها، التي كانت تستقطب كبار الشعراء والأدباء مثل نزار قباني وأدونيس وممدوح عدوان، تقدم اليوم في صالات شبه فارغة.
أزمة ثقة
يقول نزار بريك هنيدي، شاعر مقيم في دمشق، إن هناك أزمة ثقة بين الجمهور والمؤسسات الرسمية، حيث أن النشاطات التي تُقام في المراكز الثقافية الرسمية أو في اتحاد الكتاب وغيرها من الجهات الرسمية تشهد عزوفا من الجمهور.
ويضيف: “يتضح هذا عندما تكون هناك أمسيات أو نشاطات في نوادي خاصة، حيث يكون الحضور أكبر بكثير”.
السبب وراء ذلك، وفقاً لهنيدي، هو أن المستوى العام الذي تقدمه المؤسسات الرسمية مقيد بشروط معينة ولا يميز بين الأدباء الكبار والأدباء الناشئين، مما يسبب خيبة أمل لدى الجمهور.
تأثير الأوضاع المعيشية
بالإضافة لذلك يرى الشاعر أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية تلعب دورا كبيرا في تراجع الحضور إلى الأنشطة الثقافية.
ويقول لنورث برس، “تكلفة المواصلات العالية وصعوبة الحصول على وسائل النقل تجعل الناس غير مستعدين لإنفاق المال والوقت على الأنشطة الثقافية”.
كما أن الوضع الاقتصادي يجعل الناس يركزون على تلبية احتياجاتهم الأساسية بدلاً من الأنشطة الثقافية، وفقاً لهنيدي.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد أن هناك تراجعت بنسبة الشباب الذين يتابعون الحياة الثقافية بشكل كبير مقارنة بجيل السبعينيات والثمانينيات، الذين كانوا يشكلون النسبة الأكبر من الحضور في الأمسيات والندوات.
التوجه نحو الدراما التلفزيونية
تواجه صالات المسرح والسينما نفس التحديات التي تواجهها المراكز الثقافية. وفقا للممثل والمخرج المسرحي خوشناف ظاظا، انخفض عدد الحضور في العروض المسرحية بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة.
يعزى المخرج ذلك إلى سببين رئيسيين: أولاً، سوية بعض العروض التي لا ترقى إلى مستوى توقعات الجمهور؛ وثانيًا، انشغال عدد كبير من النجوم في الدراما التلفزيونية والسينما، مما أدى إلى ابتعادهم عن المسارح.
ونوه إلى أن خريجين المعهد صاروا يلتحقون فوراً بالدراما التلفزيونية وأتفق مع الشاعر أن الوضع المعيشي السيء “أبعد الذين كان لديهم شغف بحضور المسرح وباتوا يفضلون التركيز على اهتماماتهم الضرورية أكثر من حضور العروض المسرحية.