مخيمات بريف الحسكة.. خدمات صحية شبه معدومة وسط معاناة للنازحين
سامر ياسين – نورث برس
في مخيم واشوكاني للنازحين، شمالي الحسكة، يستلقي عبد الرزاق المحمد على ظهره منذ ثلاثة أعوام حتى اليوم، إثر إصابته بحادث سير على دراجته النارية، أدى لشلل جسمه بشكل كامل، وأبقاه ملتصقاً بالأرض.
ويقطن مخيم واشوكاني، الذي أسسته الإدارة الذاتية في أواخر تشرين الأول/أكتوبر عام 2019، 16.876 شخص موزعين على 2.377 عائلة، نازحون من سري كانيه (رأس العين)، كانوا قد نزحوا من مدينتهم وقراهم بعد الاجتياح التركي للمدينة والسيطرة عليها عام 2019.
ويرعى المخيم من الناحية الطبية، بشكل رئيسي منظمة الهلال الأحمر الكردي، إلى جانب بعض المنظمات غير الحكومية، وفي السابق منظمة الصحة العالمية، التي بدأت تتبنى الحالات الحرجة في المخيم بداية عام 2023 المنصرم، لحين إعلان انسحابهم من المخيم ومخيمات أخرى، بداية شهر نيسان/أبريل من العام الجاري.
انعدام الخدمات الطبية
عبد الرزاق المحمد (67 عام)، من قرية الدشيشة بريف تل تمر، نزح مع عائلته إلى المخيم إثر وصول القوات التركية وفصائل مسلحة موالية لها، إلى مشارف قريته بداية عام 2020.
وبعد حادث سير تعرض له المحمد، بريف تل تمر، أسعفه السكان إلى (مشفى الحكمة) بمدينة الحسكة، حيث غرفة التنسيق بين منظمة الصحة العالمية والهلال الأحمر الكردي، ولكن لم تستقبل المنظمة حالته، كونه تعرض للحادث خارج المخيم، ولم يُسعف عن طريق غرفة التنسيق مع الهلال الأحمر الكردي، حسب المحمد.
يقول في حديثه لنورث برس: “بعد إصابتي ونقلي إلى العاصمة وإجراء عمل جراحي لفقرتين في العمود الفقري هناك، عدت إلى المخيم، وتبنت منظمة الصحة العالمية حالتي وخطة علاجي، وكانت سيارات الإسعاف تنقلني من المخيم بشكل شبه يومي إلى مشفى الحكمة، بالرغم من الخدمات الضعيفة التي كانت تقدم لي”.
ويضيف: “الآن اختلفت الأمور تماماً، أذهب بالأسبوع الواحد حوالي مرتين إلى مشفى الحكمة ذاتها، ولكن على حسابي الشخصي، وبتكاليف باهظة جداً، وذلك بسبب انتهاء العقد بين إدارة المخيم ومنظمة الصحة العالمية، التي رفعت يدها عنا بالكامل”.
أمراض خطيرة بلا رعاية
كرمو السعيّد (65 عام)، من قرية القاسمية بريف تل تمر الشمالي، مثله كمثل العديد من الحالات في المخيم، ممن يعانون من أمراض خطيرة ومزمنة، وباتوا يعالجون أنفسهم بظروف اقتصادية صعبة، ودون رعاية من أي جهة.
يعاني السعيّد من أمراض في القلب والكلى، وزوجاته أيضاً مرضى بالكلى، إلى جانب وجود حالة إصابة بمرض السرطان في خيمته، وهي أخت زوجته والتي تسكن في خيمته نفسها منذ بداية نزوحهم حتى وصولهم للمخيم.
يبين السعيد، لنورث برس، الفرق بين الخدمات الماضي والحاضر في المخيم، قائلاً : “إلى حدٍ ما كان هناك خدمات تتقدم لي ولعائلتي، عبر خطط علاجية وسيارات إسعاف تنقلنا إلى المشفى في مدينة الحسكة، إضافة إلى تبينيهم للعمليات الجراحية في المخيم، ومنهم أنا، قاموا بإجراء عمل جراحي لي العام الماضي”.
ويضيف في حديثه: “الآن الخدمات الطبية وخاصة الحرجة منها معدومة تماماً، أحياناً نضطر لإسعاف أنفسنا أو المريضة بالسرطان إلى مدينة الحسكة، ولكن نبدأ بالبحث عن سيارة لتسعفنا في حال عدم توفرها في النقاط الطبية في المخيم، وكل التكاليف والعلاج في المشفى يكون على حسابنا الشخصي فقط، دون تبني أي جهة هذه الحالات، ما يزيد صعوبة الوضع المادي علينا، ويرتب علينا ديوناً كثيرة”.
خدمات كانت خجولة أصلاً
يروي برزان عبد الله، الرئيس المشارك لمجلس إدارة مخيم واشوكاني، لنورث برس، تفاصيل تبني منظمة الصحة العالمية للمخيم من الناحية الطبية، ورفع يدها عنها وانسحابها بشكل كامل منه.
ويقول برزان إنه “مع قدوم المفوضية السامية للاجئين وتبنيها المخيم بداية عام 2023، الماضي، بدأت منظمة الصحة العالمية معها بالنشاط في المخيم، واستقبال الحالات الطبية التي كانت تقيّمها بالحرجة جداً أو بالمصطلح المتعارف عليها طبياً (حالة ساخنة)”.
ويضيف: “كان التنسيق المباشر في المخيم مع الهلال الأحمر الكردي ضمن بروتوكول وغرفة تنسيق أنشأت مع بداية نشاط المنظمة في المخيم، ولكن أي حالة كانت تصل إلى منظمة الصحة العالمية دون وردوها من نقطة الهلال الأحمر في المخيم كان ترفض بسبب عدم دخولها إطار التنسيق بين المنظمتين”.
ويوضح برزان أن هذا التنسيق كان ينعكس سلباً على القاطنين في المخيم، بسبب وجود سيارة إسعاف واحدة في نقطة الهلال الأحمر الكردي، وفي بعض الأوقات كنا نصادف أكثر من حالة حرجة في ذات اليوم، ولكن الحالة التي يتم نقلها من قبل الهلال الأحمر هي الوحيدة التي يتم استقبالها، وما تبقى من حالات كانوا يتعالجون على حسابهم الشخصي.
ويشير إلى أن المنظمة أخطرتهم مع بداية شهر آذار/مارس من العام الجاري، بأنهم سينسحبون من المخيم بشكل تام، ولم يستقبلوا أي حالة مرضية من مخيمي واشوكاني وسري كانيه، ورغم النقاش ومحاولات منع انسحاب المنظمة من المخيم ولكن كل المحاولات باءت بالفشل، وكانت ترد بجواب واحد بأن السبب للانسحاب هو “تدني الميزانية المالية لدى المنظمة”.
وانعكس انسحاب المنظمة من المخيمات سلباً على اللاجئين في مخيم واشوكاني على وجه التحديد، لأنه وبالرغم من الخدمات الضعيفة ووجود فرق كبير بين الدعم الذي كان يقدم في مخيمات مدينة الحسكة ومخيم الهول، إلا أن إلى حد ما كانت تساعد اللاجئين في بعض العمليات الصعبة والمستعصية، والتي كانت تكلف مبالغ طائلة على اللاجئين، بحسب ما قاله برزان.
ويطالب الرئيس المشارك لمجلس إدارة مخيم واشوكاني، المنظمات الإنسانية والدولية، والجهات المعنية بالأمور الصحية والطبية، دعم هذا المخيم وسكانه، لأن الوضع الاقتصادي في المنطقة صعب جداً، وهؤلاء النازحين بالأصل هجّروا من منازلهم قسراً ولا مأوى لهم ولا يملكون أي مردود مالي، وأي إنقاص من الدعم الطبي للنازحين، يكون بمثابة طلب انتحارهم، حسب تعبيره.