زانا العلي – الرقة
بعد انقضاء نصف العام، أعلنت الإدارة الذاتية في إقليم شمال وشرقي سوريا، مؤخراً موازنة العام 2024 وقالت إنها تتوقع إن تبلغ قيمة العجز المالي 389 مليون دولار أميركي.
وأعلنت الإدارة الذاتية، السبت الفائت، قانون الموازنة العامة للسنة المالية لعام 2024 المتضمن 37 مادة.
وتوقعت الإدارة أن تبلغ إيراداتها خلال العام الجاري 670 مليون دولار أميركي فيما ترى أن النفقات ستبلغ مليار وتسعة وخمسون مليون دولار أميركي.
عجز تراكمي
يقول الرئيس المشارك لهيئة المالية العامة في الإدارة الذاتية، الدكتور أحمد يوسف، لنورث برس، إن العجز الوارد في موازنة 2024 هو عجز تراكمي منذ ثلاث سنوات.
وبحسب يوسف، بدأت الإدارة الذاتية تعاني من العجز بدءاً من السنة المالية 2022 نتيجة التزاماتها في مجال تقديم الخدمات العامة كالخدمات الصحية وتطوير البنية التحتية والتعليم، مقابل ضعف إيرادات الإدارة وخضوعها لتأثيرات خارجية في غالب الأحيان، وفقاً لتعبيره.
وبحسب وثيقة خاصة بهيئة المالية وأطلعت عليها نورث برس فأن الإدارة ستجني خلال العام الحالي 400 مليون دولار من إيرادات النفط، و120 مليون دولار من إيرادات الجمارك، و14 مليون دولار من إيرادات الضرائب، مع بعض الإيرادات الأخرى.
بينما ستنفق الإدارة خلال العام الجاري 712 مليون دولار على رواتب موظفيها والنفقات الاستثمارية والدفاع وشراء الحبوب، وفقاً للوثيقة نفسها.
ويضيف المسؤول المالي في الإدارة الذاتية، أن تأمين مادة الخبز بأسعار مدعومة، يأتي في مقدمة الأسباب المباشرة للعجز.
ويشير إلى أن الإدارة الذاتية تحتاج سنوياً إلى مبلغ يتراوح ما بين 250 مليون و275 مليون دولار لشراء الحبوب، وهو يعادل الإنفاق الاستثماري بمقدار ضعفين ونصف، مما يؤثر مباشرةً على جودة الخدمات المقدمة، وتزداد الفروقات السنوية بين الإيرادات والنفقات ويزداد معها العبء الواقع على الخزينة، بحسب قوله.
والعام الجاري اشترت الإدارة الذاتية الكيلو الواحد من القمح بـ31 سنت أميركي وقالت إنها تعاني من ضعف في الميزانية وشهدت مناطق سيطرتها بعد إعلان التسعيرة احتجاجات في مدن عدة، بينما رفعت سعر ربطة الخبز من ألف إلى الف وخمسمئة ليرة سورية مؤخراً.
لا خطط لمعالجة العجز
يشدد أحمد يوسف على أن الإدارة تتحمل المسؤولية الرئيسية لظهور العجز في منظومة إدارية غير قادرة على تمويل العجز بالقروض الخارجية، أو اللجوء إلى الأساليب التقليدية للدول، فالأصل هو يجب ألا يحدث عجز في موازنة الإدارة، وحصوله يستوجب تقديم خطط عاجلة وتنفيذها تفادياً لتطور هذه الحالة.
ويقول إن وجود العجز وتطوره يؤكد على أن الإدارة لا تملك خطط واضحة لمعالجة العجز، إلا أنها تبحث في البدائل التي لا شك أن جميعها صعبة، بحسب تعبيره.
“معالجة العجز هي عبارة عن عملية التقليص بين الإيرادات والنفقات، وبالتالي فالمعالجة إما أن تكون بزيادة الإيرادات، وهذا أمر صعب في ظل غياب وسائل إنتاج عامة تزود الخزينة بالإيرادات سوى الوسائل المعروفة والتي لا يتجاوز سقفها 800 مليون دولار، أو أن تكون بتخفيض النفقات، وهنا يعني تجميد عمل الإدارة وتحقيق ركود اقتصادي خطير، ويمكن طرح سياسة مبدئية ثنائية الجوانب، أي زيادة الإيرادات وتخفيض النفقات لتلتقيان في نقطة توازن محددة” يقول المسؤول المالي في الإدارة الذاتية.
السياسات المساعدة
يذكر أحمد يوسف بعض السياسات المساعدة لمعالجة العجز في موازنة الإدارة الذاتية، مثل: الانتقال التدريجي من الدعم العيني الشمولي إلى الدعم النقدي الاستهدافي.
كما تحدث عن ترشيد النفقات العامة للإدارة الذاتية، توجيه الاستثمارات العامة نحو المجالات التي تساهم في رفع كفاءة الأداء الاقتصادي، إعادة النظر في أوضاع الشركات العامة وتفعيل دورها في المساهمة في تكوين الإيرادات العامة، الاهتمام بقطاع الاقتصاد التضامني والتشاركي الذي يخفف العبء على الإدارة ويحقق في الوقت ذاته توليد الدخول لفئات واسعة من أبناء المجتمع.
وعن التأخير في إعلان الموازنة يقول يوسف إن الإدارة لم تستطع إعلان اعتماد موازناتها السنوية قبل منتصف شهر نيسان/ أبريل منذ صدور أول موازنة في العام 2021، وازدادت المدة اللازمة لاعتماد موازنة 2024، لأسباب عدة.
واعتبر أن الاعتداءات التي تعرضت لها المنشآت الإنتاجية والخدمية في إقليم شمال وشرق سوريا خلال الفترة الممتدة من شهر كانون الأول/ ديسمبر لعام 2023 لغاية نهاية شهر كانون الثاني/ يناير من العام 2024، وهي عادة فترة الانتهاء من وضع التوقعات النهائية في الموازنة، أدت إلى إعادة النظر في جميع مفردات الموازنة العامة.
وتبين للإدارة من دراسة أداء المخصصات الاستثمارية السابقة، ضعف كفاءة تنفيذ تلك المخصصات، لذلك لجأت الإدارة وعبر الإدارة العامة للتخطيط إلى التدقيق في جميع المشاريع الاستثمارية المقدمة من المقاطعات وترتيبها وفق الأوليات الاجتماعية، وذلك في ظل ظروف محدودية الإيرادات، بحسب قوله.
وفي السياق يقول الخبير الاقتصادي خورشيد عليكا لنورث برس إنه على الإدارة الذاتية تحقيق تناسب أفضل بين كتلة الموارد المحلية والنفقات، وبينها وبين الناتج المحلي. والاعتماد على الذات والسعي لتنمية الموارد المحلية. فضلاً عن التركيز على زيادة كتلة الاعتمادات اللازمة للمشاريع الاستثمارية بما يحقق الأهداف الانتاجية والخدمية الأساسية.
مع التنبيه على خطر علاج العجـز بمزيـد من الانكماش لأن ذلك سوف يعطل التنمية ويزيد من مشكلة البطالة ويؤثر بشدة علي مـستوي معيـشة الأفراد، بحسب عليكا.