لماذا لا تدعم الولايات المتحدة انتخابات حرة ونزيهة في شمال شرقي سوريا؟

لم تشجع وزارة الخارجية الأميركية الإدارة شبه المستقلة في شمال شرقي سوريا على المضي قدماً في انتخاباتها، حيث ستترشح عشرات النساء للمناصب. تسأل إيمي أوستن هولمز، ما هي الآثار المترتبة على مستقبل سوريا؟

في 31 أيار/ مايو، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية رسالة تبدو خارجة عن المألوف. حيث حثت المسؤولين المحليين على عدم المضي قدماً في إجراء الانتخابات في شمال شرقي سوريا التي قدمت فيها عشرات النساء طلبات الترشح للمناصب، فيما يبدو أنه يتعارض مع نية استراتيجية الأمن القومي الأميركية لدعم الديمقراطية وإدماج النوع الاجتماعي. مع انتشار مراكز الاقتراع في حوالي ثلث سوريا، كان من المقرر أن تكون أوسع انتخابات خارج سيطرة النظام منذ بدء الصراع. إذا كانت الولايات المتحدة ملتزمة بدعم انتخابات حرة ونزيهة حول العالم، فلماذا لا تدعمها في شمال شرقي سوريا؟ 

انتخابات حرة ونزيهة؟

أعلن مسؤولون في المنطقة شبه المستقلة المعروفة باسم الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا، أنهم يخططون لإجراء انتخابات البلديات في 11 حزيران/ يونيو. ومنذ ذلك الحين تم تأجيلها إلى شهر آب/ أغسطس. وفقاً للمفوضية العليا للانتخابات، كان من المقرر أن يتنافس حوالي 5366 مرشحاً على مناصب في الحكومة المحلية، بما في ذلك رؤساء بلديات المدن الكبرى مثل الرقة. كما دعوا المراقبين الدوليين إلى مراقبة الانتخابات، مشيرين إلى أنهم يريدون أن تكون الانتخابات شفافة.

ومن المقرر أن تتنافس مجموعة من الأحزاب السياسية المشكلة حديثاً إلى جانب أحزاب أكثر رسوخاً. في محاولة واضحة لكسب الأصوات من السكان متعددي الأعراق، بعض الملصقات الانتخابية المعروضة مكتوبة بثلاث لغات: العربية والكردية والآرامية، وهي اللغة التي تتحدث بها الأقلية الآشورية السريانية، يتنافس تحالفان رئيسيان إلى جانب أربعة أحزاب مستقلة. ومع ذلك، أعلن المجلس الوطني الكردي المعارض أنه سيقاطع الانتخابات، مشيراً إلى ساحة اللعب غير العادلة والتخريب الأخير لمكاتبهم.

سارع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الادعاء بأن إجراء انتخابات في سوريا سيهدد الأمن القومي لتركيا. وفي 31 أيار/ مايو، شنت تركيا غارات بطائرات مسيرة على سيارة إسعاف تابعة للهلال الأحمر الكردي، من ضمن أهداف أخرى، مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص. في وقت سابق من هذا العام، استهدفت موجة من الضربات التركية مصافي النفط ومحطات المياه وشبكة الكهرباء، تاركة مئات القرى بدون كهرباء. في عام 2015، دعت الحكومة التركية القادة الكرد السوريين إلى أنقرة كجزء من محادثات السلام مع حزب العمال الكردستاني. ومع ذلك، منذ انهيار محادثات السلام، استخدم أردوغان ذريعة حزب العمال الكردستاني لشن ثلاثة عمليات عبر الحدود في سوريا، في محاولة لسحق المنطقة شبه المستقلة.

في نفس يوم الضربات التركية، نشر النائب الرئيسي للمتحدث باسم وزارة الخارجية، فيدانت باتيل، رسالة على منصة إكس يقول فيها: «أي انتخابات يتم إجراؤها في سوريا يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، كما هو مطلوب في قرار مجلس الأمن 2254، ولا نعتقد أن شروط مثل هذه الانتخابات سارية في شمال سوريا في الوقت الحالي». وبينما يؤكد البيان موقف الولايات المتحدة على مدى ثلاث إدارات، فإن هذا يثير التساؤل عن المدة التي يجب أن ينتظرها السوريون في شمال شرقي سوريا قبل أن يتمكنوا من إجراء الانتخابات. مرت أكثر من خمس سنوات على هزيمة خلافة “داعش” في آذار/ مارس 2019.

وهذا يتناقض مع الأهداف المحددة في استراتيجية الأمن القومي الأميركية لعام 2022. حيث صرحت إدارة بايدن بأنها «ستعمل على تعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء العالم لأن الإدارة الديمقراطية تتفوق باستمرار على الاستبداد في حماية كرامة الإنسان، وتؤدي إلى مجتمعات أكثر ازدهاراً ومرونةً، ويخلق شركاء اقتصاديين وأمنيين أقوى وأكثر موثوقية للولايات المتحدة، ويشجع على إقامة نظام عالمي سلمي».

فلماذا حثت وزارة الخارجية المسؤولين في شمال شرق سوريا على عدم المضي قدماً؟ هل هناك مشكلة في إجراءات الانتخابات؟ أم أن وزارة الخارجية رضخت للتهديدات التركية؟

شمال شرق سوريا: نظام المساواة بين الجنسين

أصبحت الادارة الذاتية واحدة من أكثر النظم السياسية شمولاً للجنسين في المنطقة، على قدم المساواة مع أيسلندا والسويد. في حين أنه غالباً ما تتم الإشادة بالدول الاسكندنافية فيما يتعلق بمسألة تعزيز المساواة بين الجنسين والمرأة في السياسة، فإن النساء السوريات اللواتي يسعين لتحقيق الشيء نفسه يتم حظرهن في كل خطوة. إن نموذج الحوكمة الفريد الذي أنشأته المرأة في شمال شرق سوريا لم يتم فهمه جيداً.

 آمل أن يساعد كتابي الجديد، (Statelet of Survivors: The Making of a Semi-Autonomous Region in Northeast Syria)، في تغيير ذلك. خلال العديد من الرحلات إلى المنطقة، أجريت مقابلات مع مئات النساء اللواتي قاتلن على الخطوط الأمامية إلى جانب الرجال في قوات سوريا الديمقراطية، وكذلك النساء المدنيات اللواتي ساعدن في إنشاء إدارة مستقلة.  

قال النقاد بأن تعزيز المساواة بين الجنسين في سوريا «خيالي» أو «متطرف». في عام 2018، صنف مؤشر المرأة للسلام والأمن (WPS) سوريا، إلى جانب أفغانستان، على أنها أسوأ مكان في العالم للمرأة. في ذلك الوقت، كان تنظيم الدولة الإسلامية لا يزال يسيطر على أجزاء كبيرة من سوريا. كان يتم تداول النساء الإيزيديات في أسواق الرقيق ولا يُسمح للنساء المسلمات بمغادرة منازلهن إلا إذا كان برفقة ولي أمر ذكر، يُعرف باسم المحرم. اعتبر التنظيم النساء الكرديات، اللواتي قاتلن ضد “داعش”، ودافعن عن غير المسلمين منه، وتعاونن مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، مرتدات.

 لكن تغير الكثير منذ عام 2018. هُزمت الخلافة على الأرض، ودافع حوالي ثلث البلاد في شمال شرقي سوريا بشدة عن حكمه الذاتي عن النظام في دمشق. استغل الناس هناك هذا الاستقلال الذاتي لتنفيذ إصلاحات واسعة النطاق لتحسين وضع المرأة، بما في ذلك معاقبة العنف المنزلي، وحظر تعدد الزوجات، وإدماج المرأة في قوات الأمن، وإنشاء نظام الرئاسة المشتركة حيث يتقاسم الرجال والنساء السلطة على جميع مستويات الحكومة.  

من عام 2023 وإلى الآن، تم توظيف 97،863  شخصاً من قبل الإدارة الذاتية، 52.6 ٪ منهم من النساء و 47.2٪ من الرجال. ولكن نظراً لأن مؤشر WPS ينظر إلى البلدان ككل، فإنه غير قادر على التقاط هذا التباين الإقليمي بشكل كافٍ.

أثناء سفري إلى سوريا عاماً بعد عام، وجدت أنه مع نمو المنطقة جغرافياً، نمت الرغبة في قبول مشاركة المرأة في المجال العام. يفخر العديد من السوريين بطبيعة الحال بالدور الذي لعبته النساء في هزيمة “داعش” إلى جانب نظرائهن الذكور. وهم يرون في الإدارة الذاتية، حتى مع عيوبها، بديلاً أفضل للحكم من قبل نظام الأسد أو المتطرفين.  

النسبة بين الجنسين للمسؤولين في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا حسب المنطقة والمؤسسة في عام 2023

المنطقةالعدد الإجمالي للموظفينالإناث (النسبة المئوية من المجموع)الذكور (النسبة المئوية من المجموع)
الجزيرة40,00055.4%44.6%
الفرات8,27242.5%57.7%
دير الزور15,54180.7%19.3%
الرقة11,11841.5%58.5%
عفرين3,87930.4%69.6%
منبج7,76938.9%58.8%
الطبقة4,39142.7%57.2%
المؤسسةالعدد الإجمالي للموظفينالإناث (النسبة المئوية من المجموع)الذكور (النسبة المئوية من المجموع)
المجلس التنفيذي5,00040%60%
مجلس العدالة90727.1%72.9%
مجلس سوريا الديمقراطية19960.8%43.7%
المجلس العام14634.9%65.1%
منسقية الجامعات42334.9%58.1%
المؤتمر الإسلامي الديمقراطي21818.3%81.7%
المجموع (لا يشمل الأمن الداخلي)97,86352.6%47.2%

مشاركة المرأة في الإدارة 

تظهر مجموعة كبيرة من الدراسات لعدة بلدان أن إشراك المرأة في الإدارة لهو أمر مفيد – ليس فقط للمرأة – وإنما للمجتمعات بأكملها. ومع ذلك، ادعى النقاد أن هذه النتائج غير قابلة للتطبيق عالمياً. وتظهر الأبحاث ذات الصلة بين تمثيل المرأة وتصورات المشروعية الديمقراطية في الديمقراطيات المتقدمة أن التمثيل المتساوي للمرأة يضفي الشرعية على صنع القرار. ومع ذلك، لم يتم اختبار هذه العلاقة في بيئات أبوية أقل ديمقراطية.

عالجت دراسة جديدة هذه الفجوة من خلال إجراء تجربة مسح في الأردن والمغرب وتونس. ووجدت الكاتبات أن “وجود المرأة يعزز تصورات المواطنين لشرعية عمليات اللجنة ونتائجها. علاوة على ذلك، أن القرارات المؤيدة للمرأة مرتبطة بمستويات أعلى من الشرعية المتصورة”. 

باختصار، تتفق نتائج تجربة المسح في الأردن والمغرب وتونس مع بحثي الخاص عن سوريا. ويساهم عملنا في مجموعة متزايدة من الأدلة التي تظهر أن مشاركة المرأة في الإدارة تعزز الأمن الوطني والبشري وتحسن تقديم الخدمات. وارتبط أيضاً بمنع العودة إلى الصراع.

تحقيق الديمقراطية في الخارج

للولايات المتحدة تاريخ طويل في دعم الانتخابات الحرة والنزيهة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك في المجتمعات المنقسمة والبلدان الخارجة من الحكم الاستبدادي، حيث غالباً ما تكون ظروف الانتخابات أقل من المثالية. وخلال الحرب الباردة، دعمت الولايات المتحدة انتخابات حرة ونزيهة في ألمانيا الغربية، والتي كانت خطوة رئيسية في الانتقال إلى الديمقراطية – حتى مع بقاء ألمانيا الشرقية في المدار السوفيتي. في سوريا اليوم، تدعم روسيا وإيران الأجزاء التي يسيطر عليها النظام في سوريا. وهذا سبب إضافي لدعم انتخابات حرة ونزيهة في الشمال الشرقي، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بوجود ضئيل. 

بدلاً من تأجيل الانتخابات في شمال شرق سوريا إلى أجل غير مسمى، يجب وضع جدول زمني واضح لإجراء الانتخابات البلدية في غضون شهرين إلى ثلاثة أشهر. ويمكن لوزارة الخارجية، بالاشتراك مع المعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي، أن تقدم المساعدة التقنية للبلديات التي تجري الانتخابات، وأن تقدم المشورة للنساء اللواتي يسعين إلى الترشح للمناصب، وأن ترسل مراقبين لمراقبة العملية الانتخابية.  

أخيراً، بدلاً من إخبار النساء والرجال السوريين بعدم إجراء انتخابات، يجب على وزارة الخارجية أن تشرح لأردوغان أن الانتخابات لا تشكل تهديداً لتركيا. وإذا كانت إدارة بايدن ملتزمة حقاً بفكرة أن «الديمقراطية تحقق»، كما هو موضح في استراتيجية الأمن القومي، فيجب أن يكون هذا صحيحاً في شمال شرق سوريا، كما هو الحال في أي مكان آخر حول العالم. 

بقلم إيمي أوستن هولمز لمركز ويلسون الأميركي للأبحاث وترجمته نورث برس