سعر صرف الليرة السورية يثير مخاوف مزارعي القمح بريف الرقة

زانا العلي – الرقة

لا يدري عمر ما الذي سيفعله بمحصوله هذا العام، لا سيما وأن أياماً قليلة تفصله عن حصاد أرضه المزروعة بالقمح، يفكر الرجل تارة بتخزينه وأخرى بأن يبيعه آجل الدفع لتجّار.

وتخضع قرية عمر الحاتم (39 عاماً)، وهو اسم مستعار لمزارع من سكان قرية الشريدة الشرقية التي تبعد نحو 35كم عن الرقة، لسيطرة قوات حكومة دمشق والفصائل التابعة لها أبرزها الدفاع الوطني والجوية.

تكاليف كبيرة

ويملك المزارع 30 دونماً مزروعاً بالقمح اعتمد في ريّها على محركات الديزل التي تستجر المياه من آبار سطحية، ما زاد تكاليف الإنتاج على المزارع لمبالغ طائلة تضاف للحراثة والسماد والبذار والحصاد، حيث اشترى ليتر المازوت الواحد بمبلغ يصل إلى 10 آلاف ليرة سورية.

ويحتاج القمح لخمس سقايات وفي كل سقاية يستهلك المحرك 100 ليتر من المازوت، أي أن الدونم الواحد كلّفه 10 دولارات بالحد الأدنى ثمناً للمحروقات.

ولكن كل ذلك لم يثر مخاوف المزارع أو يقلقه، خاصة أنه يعلم أن الإنتاج سيغطي التكاليف التي دفعها في حال حصل على الثمن الذي وضعته الحكومة لمادة القمح.

وحددت الحكومة السورية تسعيرة مادة القمح بـ 5500 ليرة سورية للكيلو الواحد (حوالي 37 سنتاً أميركياً).

مخاوف

وتلك التسعيرة التي أعلنتها الحكومة، ولّدت مخاوفاً لدى “الحاتم” ومزارعين بريف الرقة الشرقي. ومصدر تلك المخاوف هو عدم تقيّد الحكومة السورية بالتسعيرة التي وضعتها في العام الماضي.

حيث حددت الحكومة السورية سعر شراء القمح في نيسان/أبريل 2023، بـ 2300 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، ثم عدلت اللجنة الاقتصادية في الحكومة تسعيرة القمح في 4 أيار/مايو، وحددتها بـ 2500 ليرة للكيلو، وأضافت لها 300 ليرة، بما وصفتها “حوافز تشجيعية”، لزراعة وتسليم القمح.

وباتت التسعيرة بعد التعديل 2800 ليرة للكيلو الواحد من القمح، أي ما يعادل 32 سنتاً أميركي بحسب سعر الصرف حينها.

ويروي “الحاتم” الذي سارع في العام الماضي إلى تسليم محصوله إلى مراكز الحكومة بالريف الشرقي، لكن خسائر المزارع باتت تتفاقم يوماً بعد يوم، إذ كان سعّر صرف الدولار حينها 7 آلاف ليرة، وبدأت الليرة بالانهيار لتصل إلى 11 ألف ليرة مقابل الدولار الأميركي في شهر أيلول الفائت حيث تتأخر صرف فواتير المزارعين.

ما يعني أن قيمة القمح انخفضت من 32 إلى أقل من 20 سنت، والمعروف أن الحكومة تسعّر بالليرة السورية وتسلّم فواتيرها بالعملة المحلية، لذا بات المزارع يراقب سعر صرف الدولار خوفاً من خسائر.

ويتخوّف مزارعو مناطق سيطرة الحكومة السورية هذا العام من تكرار سيناريو العام الفائت وخسارتهم من المحصول مع ارتفاع الأسعار وانهيار قيمة العملة السورية.

إلا أن الطامة الكبرى بالنسبة للمزارع قيمة الفاتورة التي أصدرتها الحكومة، إذ لم تتقيّد بالتسعيرة التي عدلتها والبالغة 2800 ليرة، وجاءت قيمة الفواتير بين 1800 ليرة و2100، الأمر الذي زاد من خسائر المزارعين.

وعادة ما تعلن الحكومة تسعيرة شراء القمح في وقت مبكر ويرتفع سعر في المدة الزمنية بين تحديد التسعيرة وصرف الفواتير، الأمر الذي ينعكس سلباً على المزارعين.

كيف تحدد الحكومة السعر؟

يقول خورشيد عليكا، وهو باحث اقتصادي، بأن “الليرة السورية كانت سابقاً قبل الأزمة السورية تتحدد بقرار سياسي من القصر الجمهوري، وبعد الأزمة السورية هناك سعر صرف الرسمي/الوهمي حسب مصرف سوريا المركزي للدولار الأمريكي، وهناك سعر الصرف للدولار الأميركي حسب السوق السوداء، وهو السعر الحقيقي مقابل الليرة السورية”.

ففي مناطق الحكومة السورية “تعتبر الحكومة هي شريكة لمن يصله حوالة من الخارج بالدولار الأميركي أو اليورو حيث يتم الصرف لهم حسب السعر الرسمي/الوهمي لدى مصرف سوريا المركزي”.

ويضيف الباحث أن “الحكومة السورية وعن طريق تجار الحروب ومافيات وحيتان السوق، تستطيع التلاعب بسعر الصرف خلال الموسم حسب مصالحها، من أجل استنزاف الفلاح، وتأمين موارد اقتصادية على حساب المزارع ومعيشته”.

ويعتبر “الأوضاع الاقتصادية المتردية وضعف الموسم الزراعي والخسائر التي لحقت بالمزارعين، بسبب زيادة تكاليف ومستلزمات العملية الإنتاجية وضعف الإنتاج، وعدم وجود دعم حقيقي للفلاح سواءً من الإدارة الذاتية أو من الحكومة السورية”.

ويذكر عليكا أن “المزارع يقع ضحية التلاعب في سعر الصرف من قبل الحكومة السورية بالتنسيق مع تجار الأزمات والحروب ومافيات السوق”.

ويقول: “الحكومة السورية وخاصة مافيات السوق وتجار الازمات والحروب المرتبطين بهم، يستطيعون أن يفرضوا سعر الصرف المناسب لهم للدولار الأميركي، وضمن الفترة التي يستلم فيها الفلاح فاتورة الموسم ولغاية صرفه لفاتورته”.

تحرير: محمد القاضي