مهنة سكب المعادن في القامشلي.. فنٌ يحاول أصحابها المحافظة عليها
القامشلي – نورث برس
يعمل مسعود محمد الملقب بأبو يوسف السكاب في مهنة سكب المعادن منذ نحو 58 عاماً في مدينة القامشلي، ويمتلك ورشة لصهر المعادن مثل الحديد والألمنيوم والنحاس وغيرها، لصنع قطع غير متوفرة في المنطقة.
يقول محمد البالغ من العمر 68 عاماً، لنورث برس، إنه بدأ في هذا العمل في سن مبكرة، وإنه يصنع “القطع القديمة وغير المتوفرة في المنطقة”
ويشير إلى أنه “سابقاً كنا نعمل في قطع الآبار الارتوازية والآن نعمل في قطع المولدات والبكرات والطرازات وفوهات الصرف الصحي، والديسكات، ومسكات السيارات وغيرها”.
كيفية العمل
يبدأ أبو يوسف السكاب بجمع المواد الخردة في المنطقة الصناعية في القامشلي ليقوم بكسرها وتجهيزها لعملية الصهر وإعادة تدويرها.
ويقول: “المواد نجمعها من هنا وهي الخردة مثل قطع المولدات والكولاسات والقمصان والبكرات المستعلمة والتالفة، نقوم بكسرها هنا ونضعها في الفرن لصهرها”.
أما بالنسبة للفرن الذي يستعمله لصهر هذه المعادن، يقول: “طبعاً الفرن قمنا بتعديله ليتحمل درجة حرارة معينة ويعمل على المازوت والهواء ويستغرق حوالي ساعة ونصف”.
وينتج الفرن من 300 إلى 350 كيلو من المعادن المصهورة، وبإمكانهم زيادة الإنتاج لكنهم لا يقومون بذلك ليكون “المعدن الذي يخرج بعد الصهر جيداً “.
ويعاني أبو يوسف السكاب من عدم وجود رمل مخصص للسكب في المنطقة، لذلك يقوم بمعالجة نوع من الرمل ويعالجه ليصبح صالح للسكب، “رمل السكب لم يعد متوفراً بعد الأزمة حيث كان يأتي من دمشق، واليوم اذا أردنا جلبه يكلف آلاف الدولارت، والمواد بصعوبة نجدها بسبب الشحن وتكاليفه”.
مصدر رزق
تعتبر ورشة أبو يوسف مصدر رزق لعائلته منذ أن بدء في العمل بها، ويقول “أنا افتتحت الورشة عام 1975 في الهلالية وعملت هناك حتة عام 2000 تقريباً، ثم انتقلت لحي الطي لكن السكان اعترضوا على عملنا هنالك ثم انتقلت إلى المنطقة الصناعية منذ ما يقارب عشرين عاماً”.
ولدى أبو يوسف ثلاثة عمالٍ يعاونونه والورشة هي مصدر دخلهم الوحيد أيضاً، بالإضافة إلى أحد أولاده وحفيد له وشريكه يعملون معه.
ويبين أن العمل الآن متراجع بشكل كبير، “ونعاني من قلة العمل منذ عامين لأن المواد تأتينا بصعوبة ونعاني من فقدان المازوت، رغم امتلاكنا للتراخيص والأوراق”.
ويساهم عمل أبو يوسف في دعم القطاع الصناعي في المنطقة عبر توفير قطع مفقودة، أو قطع تكلف أضعافاً في حال جلبها جاهزة من خارج المنطقة.
ورغم خبرته الطويلة في هذا المجال لا يزال أبو بوسف يواجه صعوبات وتحديات تقف أمام مهنته، يقول إن “المواد نحصل عليها بصعوبة وهي مكلفة جداً، وأهم مادة أسياسية هي المازوت وتأتينا بصعوبة جداً”.
ويذكر أنه “من المفترض أن يتم تأمين المازوت لورشتنا لكن نقضي وقتنا بحثاً عن المازوت لنعمل ونعيش، وهناك صعوبات كثيرة من ناحية جلب المواد من حلب ومنبج وبأي طريق تأتي تتعرض للضرائب وهذا يؤثر علينا مما يؤثر على غلاء المواد التي ننتجها”.
فن ومهنة
يعتبر أبو يوسف أن عمله مهنة وفن لن يتقنه سوى مَن أحبه، قائلاً: “هذا عمل يدوي، ونعتبر السكب فن، حيث نرسم بالرمل ونصنع القطع في الرمل وهو فن ومن ثم عمل”، وإذا لم تحب هذا العمل لن تتقنه.
ويقول: “نحن بدأنا درجة درجة وطورنا نفسنا، سابقاً كانت الأفران مختلفة حيث كانت أفران أرضية وكنا نجلب البوادق من حلب والشام والصين والهند لكنها كانت تنكسر، لذلك نعمل بالأفران الدوارة حالياً، سابقاً كان العمل أصعب”.
“نحن نهتم بالعمل اليدوي، وعملنا بديل للقطع التي تصل إلى هنا بأسعار غالبة جداً، نقدم بديلها بشكل جيد، لن أقول مئة بالمئة ولكن بنسبة نسبة تصل إلى 60 و70 بالمئة”، بحسب ما يقوله أبو يوسف.
وتعتمد المنطقة وأغلب مناطق سوريا على مهنة السكب حيث تصنع الآلات الزراعية والمولدات، ويذكر أبو يوسف: “أي قطعة اذا انكسرت من المولدة نحن نعيد تأهيلها وأغلب القطع هكذا نصنعها”.
الرغبة باستمرار المهنة
ومع تقدمه في السن يجاهد السكاب أبو يوسف على تعليم هذه المهنة لأولاده، مشيراً إلى رغبته في تعليمها لكل من يود ذلك.
ويقول: “بالنسبة لي ورّثت المهنة لأبني وعلمته وهو يعمل معي، وحفيدي كذلك يعمل هنا، ومن يأتي ويرغب في التعلم سأقوم بتعليمه؛ لأنني أحب أي إنسان يريد التعلم ولا احتكر هذه المهنة لنفسي فقط، بل اعتبرها للجميع ومن يريد التعلم لا أمانع في ذلك”.
قضى أبو يوسف السكاب حياته المهنية في صهر الحديد وإعادة تدويره على مدار نصف قرن وأسهم بعمله الحرفي في دعم القطاع الصناعي المحلي عبر صنع قطع لا يمكن الحصول عليها بسهولة.
وبالنظر إلى خبرته الطولية يعد مسعود محمد أبو يوسف السكاب بمثابة رمز للحرف اليدوية التقليدية التي من شأنها المساهمة في نمو الاقتصاد المحلي.