دمشق..  الأرصفة والحدائق مأوى لعشرات السكان

صفاء سليمان – دمشق

تعج أرصفة دمشق وحدائقها العامة بوجود عشرات السكان الذين باتو دون مأوى، وهي ظاهرة لم تكن موجودة إلا نادراً قبل بدء الحرب السورية عام 2011.

وتعد هذه الظاهرة من نتائج هذه الحرب التي أدت إلى تدمير آلاف منازل السوريين في مناطق كثيرة كالغوطة الشرقية والحجر الأسود وداريا وغيرها.

كما تعرض آخرون إلى سرقة ممتلكاتهم بسبب الانفلات الأمني الحاصل نتيجة هذه الحرب، إضافة إلى تفكك عائلات أخرى وتشرد بعض أفرادها.

ومع غلاء المعيشة والارتفاع الكبير بأسعار أجور العقارات حيث تصل أجرة غرفة وصالون بدون عفش إلى ما يقارب 700 ألف وتصل إلى مليون ليرة سورية في ضواحي دمشق فيما تبدو هذه الأرقام فلكية قياساً بدخل السكان المتواضع.

وأمام هذا الواقع استفحلت ظاهرة التشرد على الأرصفة وفي الحدائق العامة ففي حديقة خولة بنت الأزور الواقعة في شارع الفرايين ما بين ساحة باب توما وجامع الشيخ رسلان ويحيط بها من ناحية باب توما عدد من بيوت دمشق القديمة والتي يرتادها العامة بشكل طبيعي على مدار الوقت ولكن من غير الطبيعي أن ينام في هذه الحديقة الصغيرة ثلاثة أشخاص.

“سرقوني ولم يمسك بهم أحد”

يقول أندريه البالغ من العمر 60 عاماً تقريباً، لنورث برس: “كنت أعمل في مجال صياغة المجوهرات وافتتحت ورشة في جرمانا ولكنها تعرضت للسرقة منذ حوالي 3 سنوات ولم يتم القبض على اللصوص”.

ويضيف: “أصبحت مديوناً للكثيرين فاضطررت لإغلاق الورشة كي أسدد ديوني وأنا أنام في الحديقة منذ ذلك الوقت في غرفة الكهرباء”.

وعن كيفية تأمين لقمة عيشه، يقول: “أعمل أحيانا في بيع المحارم الورقية، وأذهب صباحاً إلى الفرن وأشتري رغيفاً لأكله، أما وجبة الغداء فمتروكة لله”.

ويشير إلى أنه يتعرض “لمضايقات من بعض الشبان، إضافة إلى احتمال دخول بعض اللصوص إلى الحديقة أو بعض الأشخاص الخطرين”.

ويضيف: “لا أستطيع ادخار أجرة غرفة أسكن فيها ففي الليل يكون البرد قارصاً لذلك ألجئ إلى غرفة الكهرباء، ولا أعرف ماذا أفعل فأنا أعاني من وضع صحي لا يسمح لي بالعمل”.

“دُّمر بالحرب”

يقول هيثم ممدوح الزعبي، وهو أحد الأشخاص الذين ينامون في حديقة خولة بنت الأزور، لنورث برس: “كنت أنام في حديقة بمنطقة الزاهرة منذ 9 سنوات وأنا معروف هناك بشكل جيد ولكني عانيت من بعض المشاكل هناك فانتقلت للنوم في هذه الحديقة”.

ويضيف الزعبي: “أنا هنا أيضا أتعرض للمضايقات من بعض الزعران وكل ما أطلبه هو أن أحصل على نقود كافيه كي أستأجر غرفة”.

ويشير إلى أنه كان ينتلك بيتاً في منطقة حجيرة، ولكن “دُّمر بالحرب”.

أما فاديا عاقل المنحدرة من اللاذقية، فقد قالت “أنام على قطع الكرتون بلا غطاء”، موضحة أنها عانت كثيراً، وأنها تعيش مما يقدمه لها الناس، وأن لديها ابنة لكنها “لا تسأل عنها”.

فئات الهشة

تقول الدكتورة في علم النفس رشا العيسمي، والعاملة في إحدى منظمات الدعم النفسي للمهجرين: “يقصد بالمشردين داخلياً الأشخاص أو الجماعات الذين أكرهوا على الفرار أو على ترك منازلهم أو أماكن إقامتهم المعتادة”.

وتضيف لنورث برس: “لاسيما نتيجةً أو سعياً لتفادي آثار نزاع مسلح أو حالات عنف ذات أثر عام أو انتهاكات حقوق الإنسان أو كوارث طبيعية أو كــوارث من فعل البشر، ولم يعبروا الحدود الدولية المعترف بها للدولة”.

وتشير إلى أنه “من وجهة نظر عالم النفس لكل إنسان حاجات أساسية كالغذاء والمأوى والأمان والحب والانتماء والتقدير وتحقيق الذات وتذوق الجمال”.

وتبين العيسمي، أن الصحة النفسية ترتبط ارتباط وثيق بقدرة الفرد على تحقيق هذه الحاجات، لكن الظروف الحياتية القاسية المتعلقة بالتشرد تشكل عائقاً أمام تلبية أدنى الاحتياجات الأساسية من غذاء ومأوى.

وتذكر أن هذا ما ينعكس سلباً على الصحة النفسية ويهيئ لتطور الكثير من المشكلات والاضطرابات النفسية كالوحدة والعزلة والاكتئاب والقلق والذهان والفصام وفقدان معنى الحياة وانخفاض الأمل، والإدمان.

ويعتبر “المتشردون من الفئات الهشة والضعيفة في المجتمع لذلك هم أكثر عرضة للعنف والاستغلال الجنسي والتحرش والاتجار بالبشر من قبل الآخرين، وهذا ما يفاقم المشكلات والتحديات التي يواجهونها”، بحسب ما قالته العيسمي.

وفي التقرير العالمي لعام 2024 الذي نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش على موقعها الرسمي أنه: “ما يزال التهجير أحد أشد العواقب الوخيمة والممتدة للحرب منذ بداية النزاع المسلح 2011 حيث أجبر 6,7 مليون على النزوح داخلياً في جميع أنحاء سوريا”.

وأشار التقرير إلى أن نقص في الموارد حيث أن بعض المهجرين لا يتلقون مساعدات مستدامة أو كافية.

تحرير: محمد القاضي