صفاء سليمان – دمشق
“لن تأكل إلا إذا نبشت القمامة” أصبحت هذه المعادلة جزأً رئيسياً من حياة شريحة لا يستهان بها من السوريين الساكنين في دمشق في ظل الظروف المعيشية شديدة القسوة التي يعيشونها.
وتبدأ رحلة النبش في القمامة في أقدم المدن المأهولة في العالم من ساعات الصباح الباكر قبل أن تصل سيارات ترحيل القمامة إلى المكبات خارج المدينة.
ويستمر النباشون خلال ساعات النهار ليتصيدوا قطع البلاستيك والكرتون والخبز اليابس والزجاجات الفارغة وكل ما يمكن إعادة تدويره ليصار إلى بيعه لورشات صغيرة بأسعار غاية زهيدة جداً.
مهنة تزدهر
في مسح ميداني أجرته شركة “ايفركلين” التي كانت متعاقدة مع محافظة دمشق لنبش مكب الأحد عشرية قرب باب شرقي عام 2006 تبين أن العاملين في نبش القمامة في محافظة دمشق 80 شخصاً فقط وبعد عامين ازداد عدد العاملين حيث أوضح المسح أن 4000 شخص يعملون بهذه “المهنة”.
أما في وقتنا الراهن، فالإحصائيات الرسمية غائبة تماماً ومن المشاهدات اليومية يمكن القول أن العدد يتجاوز الآلاف حتى وصل الأمر أن نباشاً ينتظر عند الحاوية يأخذ منك كيس القمامة.
ويرفض أغلب النباشين التحدث أمام الكاميرا، حيث تراهم غاضبين يشتمون حتى على الهواء وملثمون بمناديل لإخفاء وجوههم أو ربما اتقاءً للروائح الكريهة.
“حاويات القمامة أمانٌ أكثر”
يقول عدنان، وهو شاب في الثامنة عشرة رفض الوقوف أمام الكاميرا، إن “والدي يعمل عتالاً يجلس يومياً في ساحة الرئيس في جرمانا، حيث يتجمع العتالون، وينتظر أن يطلبه أحد لتحميل مواد البناء أو عفش بيت أو ما شابه، وغالباً ما يعود إلى البيت دون نقود لأنها مسألة حظ”.
ويضيف لنورث برس: “أنا وجدت في حاوية القمامة أماناً أكثر من انتظار حظي بالجلوس في ساحة الرئيس، ففي حاويات القمامة دائماً أعثر على ما أستطيع بيعه وأعود للبيت ومعي من 30 إلى 40 ألف”.
ويشير إلى أن هذا المبلغ “يكفي للخبز وبعض الحاجيات الأخرى، وذلك في فترة أقضيها في النبش تتراوح ما بين عشر ساعات إلى 15 ساعة”.
وقرب حاوية أخرى، امرأة رفضت ذكر اسمها، تقول لنورث برس: “نحن مهجرون من قرية من ريف دير الزور، ونسكن في بيت دون إكساء في جرمانا ولدي 5 أولاد وأنا وزوجي وابني الكبير الذي يبلغ من العمر 12 عاماً نعمل في نبش القمامة ونحّصل ثلاثتنا على ما يقارب 75 ألفاً يومياً”.
وتضيف: “ندفع أجرة البيت ونأكل بما تبقى”.
“نعمل في القمامة ونأكل منها”
يقول محمد وهو يعمل في النبش، لنورث برس: “أظل قرب الحاوية من الساعة 12 ليلاً حتى السادسة صباحاً وأحصل على ما يقارب 50 ألف ليرة”.
ويضيف: “هذه المهنة أفضل من التسول، ولا يوجد أي فرصة للعمل فماذا نفعل، هذا ما نقوم به نعمل في القمامة ونأكل منها”.
أما ربيع البالغ من العمر حوالي 30 عاماً والمهجر من منطقة الصنمين في درعا، يقول لنورث برس: “أنا أعمل في هذه المهنة منذ حوالي سنة ونصف وأحصل في اليوم ما بين 25 إلى 50 ألف ليرة”.
ويقول أحمد سعيد، وهو من مواليد 1965، لنورث برس، “أعمل في نبش القمامة لأني عاجز، وقد خضعت لعمليتين جراحيتين وأحصل على ما يقارب عشرة آلاف يومياً، ولا أحصل على أكثر من ذلك”.
تصريحات حكومية
لا تعير الحكومة السورية أي اهتمامٍ لهذا الموضوع ولا تدلي بأية تصريحات حوله، سوى تصريح لمدير البيئة في ريف دمشق المثنى غانم، لأحد المواقع الالكترونية المحلية عام 2022، إذ يقول أن “مهنة نبش القمامة منتشرة في كل سوريا وليس في منطقة محددة على وجه الخصوص”.
ولكن المسؤول في تصريحه يسمي الظاهرة بـ”فرز للقمامة”، معللاً أن العاملين فيها ينتقون المواد الممكن بيعها واستثمارها.
ويضيف المثنى، أن “العملية تتم من خلال مجموعات يديرها أشخاص، ويعمل تحت أيديهم أطفال ورجال، يفرزون القمامة ويعطوهم إياها والرؤوس الكبيرة هي من تقوم بالبيع”.
ويرى أن “الفقر ليس له علاقة بالموضوع فلو لم تكن تجارة مربحة لما عمل فيها أحد”، مشيراً إلى أن هذه المهنة “ليست مرخصة”، وفي حال تم إلقاء القبض على من يعمل بها، يفرض عليه غرامة تبلغ 3000 ل.س.
ومنذ أيام، قال مارتن غريفيث، منسق الإغاثة الطارئة بالأمم المتحدة، إن 16.7 مليون شخص في سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، مشدداً على أن الوضع في سوريا يتدهور عاماً بعد عام، وأن هذه الرقم هو أعلى رقم منذ بدء النزاع قبل 13 عاماً.
وأضاف غريفيث: “لا يزال أكثر من سبعة ملايين شخص نازحين داخل سوريا، ويعيش ملايين آخرون كلاجئين في البلدان المجاورة يحتاجون إلى المساعدة، مشدداً على الحاجة إلى التزامات طويلة الأمد على أساس الاحتياجات.