في الوقت الذي تطغى الشكوك على الخلافة السياسية في إيران بعد وفاة رئيسها ووزير خارجيتها إثر حادث تحطم طائرة هليكوبتر، لا يرجح محللون أي تغيير في استعراض القوة الإيرانية من خلال الجماعات المسلحة المدعومة من قبلها في الشرق الأوسط.
تعتبر هذه الجماعات – حزب الله في لبنان والحوثيون في اليمن والميليشيات المتعددة في العراق وحركة حماس في الأراضي الفلسطينية – أساسية لقدرة إيران على ممارسة نفوذ خارج حدودها على الرغم من تعرضها لعقوبات اقتصادية صارمة لعقود.
وتعمل إيران مع هذه الجماعات من خلال فيلق القدس، وهو فرع من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني الذي يتواصل مباشرة مع المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، وليس الحكومة التي يديرها الرئيس. لذلك حتى في زمن المناورات الداخلية وحالة الشكوك بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان يوم الأحد، يتوقع المحللون تغييراً طفيفاً في إيقاع الهجمات أو النهج العام لهذه الجماعات.
في الواقع، كانت هناك مناوشات يوم الاثنين بين حزب الله والجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود الإسرائيلية اللبنانية. وأعلنت جماعات مرتبطة بإيران في العراق صباح الثلاثاء أنها شنت ضربة على قاعدة في إسرائيل. وكان الأمر كما لو أن حلفاء إيران كانوا يشيرون إلى أن الأمر كان يسير كالمعتاد من خلال شن أنواع الهجمات التي أصبحت شائعة في الأشهر الأخيرة.
ويقول تريتا بارسي المدير التنفيذي لمعهد كوينسي – ريسبنوسيبل ستيتكرافت: “بات واضحاً من الرسائل المبكرة جداً التي أرسلها النظام الإيراني بعد اختفاء مروحية الرئيس أنه يريد عرض صورة للاستقرار حول الخلافة، وستكون أنشطة الجماعات المرتبطة بها جزءاً من ذلك”.
ويضيف بارسي: “تعلم إيران جيداً أن هذه هي اللحظة التي تكون فيها البلاد أكثر ضعفاً ولذا فمن المهم جداً بالنسبة لهم أن يكونوا قادرين على توقع أن لديهم سياسات مؤسساتية لا تعتمد على الأفراد، لإظهار أن لديهم القدرة على التعامل مع حدث مفاجئ”.
في دولة يتمتع فيها رجال الدين بالسلطة المطلقة، سيكون التغيير في القادة الأعلى أكثر أهمية بكثير من التغيير في الرؤساء. ويقول الخبراء إن إيران ترى في تعاملها العلني مع وفاة السيد رئيسي وسيلة للإشارة إلى أنها ستدير الخلافة النهائية لآية الله خامنئي ذو الـ 85 عاماً، بنفس السلاسة.
وتقول إميلي هاردينغ، مديرة برامج الاستخبارات والأمن القومي والتكنولوجيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنه نظراً لأن فيلق القدس هو من يدير الميليشيات ويزودهم بالأسلحة والتدريبات والاستخبارات، لا يوجد سبب لتوقع أي تغيير كبير في تلك العلاقات.
وتضيف هاردينغ، “ترى إيران أي نوع من الاضطراب الداخلي على أنه فرصة لأعدائها، لذلك في الأيام الـ50 المقبلة سيصابون بجنون العظمة، وقد يجعلهم ذلك أكثر حذراً قليلاً”.
وتنوه أن التحذير الوحيد هو أنه إذا تعرض الوكلاء للهجوم خلال هذه الفترة، فقد تكون إيران أكثر حرصاً من المعتاد عليهم بغرض الانتقام وتجنب حالة الضعف، على حد قولها.
ومع ذلك، تتخذ معظم الجماعات بالوكالة قراراتها الخاصة بشأن متى وأين تهاجم، وهذا يعني أن هناك خطراً حقيقياً للغاية لحسابات خاطئة من الممكن أن يؤدي إلى دوامة من الانتقام.
ولا يبدو أن واشنطن أو طهران تريدان صراعاً مسلحاً مباشراً، لكنهما اقتربتا من صراع في كانون الثاني/يناير، عندما شنت ميليشيا مدعومة من إيران ومقرها العراق هجوماً بطائرة مسيرة على قاعدة أمريكية في الأردن. وكان هناك أكثر من 100 هجوم للميليشيات على القوات الأميركية في المنطقة منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحماس في تشرين الأول/أكتوبر، لكن هذا الهجوم اخترق الدفاعات الجوية الأميركية وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود وإصابة العشرات بجروح خطيرة.
وردت الولايات المتحدة بضرب مواقع في العراق وسوريا تستخدمها الميليشيات المتحالفة مع إيران، لكنها امتنعت عن الضرب داخل إيران، وهو تصعيد كان سيكون أكثر خطورة بكثير.
وأظهرت الجماعات المتحالفة مع إيران، والتي تطلق على نفسها اسم محور المقاومة، القدرة على الهجوم والتعطيل عبر منطقة شاسعة يومياً تقريباً منذ بداية الحرب في غزة.
وأطلقت الجماعات المسلحة في العراق والحوثيين في اليمن طائرات مسيرة وصواريخ على إسرائيل. وأطلق حزب الله وحماس صواريخ على إسرائيل، وأطلق الحوثيون النار على سفن شحن دولية قبالة الساحل اليمني، مما أدى إلى إغراق إحدى السفن وإلحاق أضرار بعدة سفن أخرى.
عندما تنحرف مثل هذه الضربات عن مسارها، فإن المقاتلين هم الذين يتحملون وطأة أي ضربات انتقامية من إسرائيل أو الولايات المتحدة، مما يمنح إيران إلى حد كبير القدرة على تأكيد قوتها مع إبقاء كم كبير من الصراع بعيداً عن حدودها.
وقال اثنان من كبار عناصر الجماعات في العراق إنهما لا يتوقعان أي تغيير في نمط هجماتهما.
وقال باتريك كلاوسون، كبير مستشاري الأبحاث في معهد واشنطن الذي ركز منذ فترة طويلة على إيران، إن هناك طريقة واحدة لتأثر تلك الجماعات بشكل عرضي على الأقل بتحطم طائرة هليكوبتر في إيران.
ويضيف كلاوسون أنه في الوقت الذي تركز الاهتمام على وفاة السيد رئيسي، كان السيد أمير عبد اللهيان، وزير الخارجية، هو الذي يسافر بشكل مستمر في جميع أنحاء الشرق الأوسط، يتحدث العربية بطلاقة وكان على اتصال دائم بكل القادة السياسيين للجماعات المسلحة وقادة الفصائل الذين كانوا أقرب إليه أكثر من حكوماتهم.
“كانت ميزة حقيقية أن أمير عبد اللهيان كان يتحدث العربية. وكان يختلط نوعا ماً مع رجال محور المقاومة ويتحدث معهم ويمكنه التحدث إلى دبلوماسييهم”، مضيفاً أن مفتاح كيفية ممارسة إيران لنفوذها على الجماعات المسلحة كان من خلال العلاقات التي أقامتها مع قادة الجماعات.
ولعب هذا الدور ذات مرة الجنرال قاسم سليماني من الحرس الثوري الإيراني حتى اغتالته الولايات المتحدة في عام 2020. وكان لخليفته، إسماعيل قاني، مكانة أقل وكان أقل راحة في التحدث باللغة العربية، وفقاً لبعض قادة محور المقاومة الذين عملوا معه.
ويشير كلاوسون إن هذا يعني أن الدور يقع على عاتق السيد أمير عبد اللهيان للمساعدة في الحفاظ على تلك العلاقات. أما الآن، يبقى السؤال مفتوحاً عن احتمالية أن تصبح تلك الجماعات التي يصعب بالفعل السيطرة عليها أكثر صعوبة؟