عمر عبد الرحمن – دير الزور
عمدت إيران منذ دخولها دير الزور، شرقي سوريا، إلى ضم الشبان إلى فصائلها لتقوية ذراعها العسكرية ولضمان عدم مواجهتها من قبل أبناء المنطقة، فحاولت جاهدة استمالة العشائر، إلا أن التنوع العشائري في دير الزور حال دون توحيد الفصائل تحت مسمى واحد.
وحاولت إيران استغلال الولاء العشائري في تقوية نفوذها بدير الزور، في مناطق غرب الفرات، والذين يرون أن مصلحتهم بالوقوف مع الإيراني أفضل من القوات الحكومية وسط عجز الأخيرة من استمالة العشائر.
وكانت بدايتها مع عوائل من حطلة، والشيخ نواف البشير شيخ عشيرة البقارة (البكارة)، الذين قاموا بتشكيل “لواء الباقر” و”أسود العشائر” وغالبيتهم من القبيلة ذاتها، بالإضافة إلى فصائل مناطقية وعشائرية أخرى تتبع لقيادة الحرس الثوري الإيراني.
وغالباً ما يدير تلك الفصائل قياديين يحملون الجنسية الإيرانية، وقياديين محليين يأتمرون بالإيرانيين، كما أن الفصائل المحلية يتركز عملها في الغالب على أعمال التهريب وترفيق الشاحنات الإيرانية وحماية المقرات.
وانخرط غالبية وجهاء وشيوخ العشائر في المناطق التي تسيطر عليها إيران والقوات الحكومية بدير الزور، ضمن إمرة إيران وشكّلوا ألوية رديفة للحرس الثوري الإيراني.
وخلال السنوات الماضية، لا سيما منذ أواخر آب/أغسطس الماضي، ازدادت مؤخراً ظاهرة التجنيد لصالح إيران في دير الزور، عبر اتباعها أساليب الترهيب والترغيب، بضم شباب المصالحات، والمطلوبين للحكومة السورية. كما أن الرواتب التي تمنحها للمنتسبين تغري الكثير في ظل أوضاع اقتصادية صعبة يعيشها غالبية السوريين.
وعزفت إيران على وتر الأنساب العشائرية، كبداية للتغلغل، وخاصة العشائر الهاشمية التي يعود نسبها لآل البيت كـ (البقارة، المشاهدة والمراسمة) وجميعها دعمت الفصائل الإيرانية.
وتشكلت عدد من الفصائل الموالية لإيران على أساس عشائري، لذا فإن ما حدث في دير الزور من مواجهات بين متعاطفين مع أحمد الخبيل المعروف بـ”أبو خولة” من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” من جهة أخرى، دفع البشير وأتباعه لتوحيد تلك الفصائل تحت اسم واحد.
وعملت إيران على تشكيل مـسلح جديد، يتزعـمه نواف راغب البشير تحت مسمى “فـوج العشـائر الهاشمية”، وقالت تقارير إعلامية إن البشير، بدعم إيراني يهدف إلى مواجهة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في شرق الفرات.
ومؤخراً، أعلنت قبيلة البوشعبان عن تشكيل عسكري جديد موالٍ لإبراهيم الهفل حمل اسم “سرايا البوشعبان”، ولا ينفصل التشكيل الجديد عن مواجهات المسلحين المحليين و”قسد”، ويأتي ضمن إطار استكمال المواجهات ضد “قسد”، والتي أخذت خلال الأشهر الماضية طبيعة الاستهدافات الليلية في الريف الشرقي لدير الزور.
كانت البداية 2017 بتأسيس “حركة أبناء الجزيرة والفرات” بدير الزور غربي الفرات، وكان الهدف الرئيسي للحركة هو ضرب مقرات “قسد” في شرق الفرات، ولم تشهد الحركة إقبالاً كبيراً من قبل المنتسبين في بداية الأمر.
لكن مؤخراً حظيت بالدعم المادي والمعنوي من قبل الثوري الإيراني، إضافة لضمها أشخاص مطلوبين للحكومة السورية ممن كانوا ضمن فصائل أخرى، كتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، أو “الجيش السوري الحر” سابقاً.
تلك العوامل فتحت باب الانتساب لتلك الحركة، لتصبح اليوم أعدادها بالآلاف، غالبيتهم من أبناء قبيلة العكيدات.
وقاد الحركة منذ نشأتها أكثر من عشرة قيادات، حيث يتم تبديل القيادي خلال فترة زمنية معينة ويكون من الموالين للثوري الإيراني، خشية الانقلاب.
وكان عمل الحركة في بادئ الأمر بتجنيد خلايا ضمن مناطق دير الزور الخاضعة لسيطرة “قسد”، واستخدامهم لتنفيذ كمائن وضربات كر وفر على المنشآت والآليات العسكرية، ولكن مؤخراً بات قتالهم ضد “قسد” عبر محاولة تسلل عناصرهم من غرب الفرات إلى شرقه بدعم من “الثوري الإيراني”، وتسهيل من الحكومة السورية، لضرب المقرات العسكرية لقسد.
وعقب إصدار “قسد” قراراً بملاحقة إبراهيم الهفل بسبب القتال والتحريض ضد “قسد” بدير الزور، فر الهفل إلى مناطق الحكومة السورية ليتقرب من نواف البشير المدعوم من إيران. ولاحقاً فُرضت عليه إقامة جبرية ببلدة محكان بريف دير الزور الشرقي، وتم بعدها تنصيبه زعيماً لحركة أبناء الجزيرة والفرات، واستخدامه واستغلال اسمه العشائري لجذب أبناء دير الزور للانضمام لتلك الحركة التي كان يقودها شكلياً فقط.
إلا أنه خلال الآونة الأخيرة، شهدت الحركة عدة خلافات بين القيادات لأسباب عشائرية أو بسبب الخلاف على تقسيم الأموال المقدمة من إيران، وتطورت تلك الخلافات إلى الاقتتال فيما بينهم، لتشهد بعدها الحركة اغتيالات لبعض قيادييها الأمر الذي دفع الغالبية منهم للفرار إلى خارج سوريا.
وعقب الخلافات التي شهدتها الحركة، بدأ كل قيادي يتقرب من شيوخ ووجهاء عشيرة معينة ضمن دير الزور لكسب الود ليقوم بتشكيل كتيبة أو لواء خاص ومنشق عن الحركة، فتشكل لواء الهاشميون المدعوم من أبناء عشيرة البقارة بدير الزور، وحصل على الموافقة والتسليح والدعم المباشر من الثوري الإيراني، عبر وساطة راغب البشير.
وبعدها قام المدعو محمد البخيت، الملقب أبو الغامد الشحيل، بتشكيل مجموعة وكتيبة خاصة به تحت اسم “كتيبة أبو الغامد”، لكن تلك الكتيبة لم تشهد إقبالاً كبيراً ولم تحظ بالدعم الكافي من “الثوري الإيراني”، لعدة أسباب أبرزها الخلافات بين قائدها محمد البخيت إبراهيم الهفل، حيث كان “البخيت” يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم “قوات العشائر”، لكنه اختلف مع الهفل على الغنائم، لذا انشق عنه.
وبعد تناقص أعداد “كتيبة أبو الغامد” وتحريض الهفل للجهات الأمنية على “البخيت”، فر الأخير إلى خارج مناطق سيطرة الحكومة السورية، ليعود عناصر الكتيبة تحت إمرة الهفل.
كذلك بدأ وجهاء عشيرة “النجرس” بتشكيل كتيبة خاصة لهم في محاولة للتقرب من الحضن الإيراني والحصول على دعم، حيث تشكلت كتيبة “الزارع” بقيادة “عزوز الزارع” في بلدة القورية بريف دير الزور الشرقي، والتي تتألف من ما يقارب 300 عنصر مسلح، حظيت مؤخراً بدعم جيد من “الثوري الإيراني” بسبب نشاطها الكبير بتنفيذ عمليات التسلل والهجوم على مقرات “قسد” بدير الزور.
أما اللواء أو التشكيل الرابع والذي لم يحظَ بدعم عشائري ويعتبر منبوذاً في مناطق دير الزور، بسبب دعمه المباشر من “الثوري الإيراني” لقيادات وعناصر من أبناء دير الزور ذو السمعة السيئة، “لواء كربلائيون”، بقيادة الحاج “أبو علي الكربلائي” وهو إيراني الجنسية.
وباشر “الكربلائي” بالتنسيق مع الحكومة السورية وإصدار بطاقات أمنية لعناصره، تسمح لهم بالتجول بكافة أنحاء دير الزور، ولا تسمح لأي جهة أمنية بالتعرض لهم، ويقارب عدد عناصرها الـ400 تقريباً.
وبعد تشكيل “لواء هاشميون” بقيادة “راغب البشير”، بدأ بالتقرب من “مهنا الفياض” شيخ عشيرة “البوسرايا” بدير الزور، والاتفاق معه حول توحيد صفوف العشيرتين ودفع أبناء عشيرة “البوسرايا” للانتساب إلى “الهاشميين”، مقابل الاتفاق بين البشير والفياض حول تقاسم الدعم والغنائم بينهما.
لكن، بعد الخلاف والانشقاقات في الحركة، عمد أبناء عشيرة “الشعيطات” بتشكيل كتيبة خاصة بهم تحت مسمى “مقاتلي الشعيطات” لكنها لم تحظ بدعم من “الثوري الإيراني” لعدم التنسيق مع وجهاء العشائر في غرب الفرات، فعمد عناصر الكتيبة للتقرب من الدفاع الوطني والاندماج مع فصيل ما يسمى “أسود الشرقية” الذي يقوده أبناء الشعيطات.
أما أبناء عشيرتي “الحسون” و”الجغايفة” بدأت مؤخراً بعقد اجتماعات بين “جمال الحردان” وجيه عشيرة الحسون و”فيصل الكسار” شيخ عشيرة الجغايفة، بهدف تشكيل كتيبة بقيادة مشتركة بين أبناء الحسون والجغايفة، بعد حصول شيوخ ووجهاء العشيرتين على موافقة “الثوري الإيراني” ودعمهم في حال تم جمع أكثر من مئتي عنصر في الكتيبة.
وجميع تلك الحركات والألوية والكتائب تسعى لكسب الحضن الإيراني والحصول على الدعم بحجة محاربة “قسد”، لكن أهداف إيران بدعم هؤلاء المسلحين أكبر من تلك الطموحات، في محاولة سعيها تجنيد كافة أبناء العشائر بدير الزور تحت إمرتها، لتستخدم فيما بعد عبر زجهم في حروب داخلية وخارجية.