مستلقياً بين الكتب والأدوية.. روائي سوري في الرقة يصارع الزمن بالكتابة

زانا العلي – الرقة

في غرفة متواضعة بإحدى أحياء مدينة الرقة، شمالي سوريا، يستلقي كاتب سوري، عاصر الوحدة بين سوريا ومصر، على سرير يقاوم عقارب الساعة والمرض بالكتابة وطرح أفكارٍ جديدة.  

إنه إبراهيم الخليل، أحد الأسماء الأدبية في سوريا. ولد الخليل في عام 1944 وتلقى تعليمه الأولي في مدارس الرقة ويختمها في ثانوية الرشيد. نال الخليل إجازة في اللغة العربية من جامعة دمشق، ليعود إلى مسقط رأسه ويعمل في التدريس. 

الغرفة التي يقيم فيها الخليل تعكس بساطة حياته، سريران يستلقي على أحدهما، مزخرف بغطاء زهري ووسادة رمادية بجانبيها كتب من جهة وأدوية من جهةٍ أخرى، بالإضافة إلى طاولة صغيرة مغطاة بكتب وتلفاز صغير يعرض محتوى درامي، وأثاث غرفة بسيط لكنه مرتب.

يحيط الخليل نفسه بأشيائه المفضلة: مسبحة، قلم، نظارة، هاتف محمول، وزجاجة صغيرة من معقم اليدين، وبعض الكتب.

ورغم بساطتها، تبرز الغرفة الطابع الشخصي للخليل وبيئة حياته المتواضعة. فالكتب مكدسة على رفوف منخفضة بجانب التلفاز وجهاز مشي بجانب السرير للمساعدة في التنقل بسبب كبر سنه.

لدى الخليل، الذي ولد في الرقة القديمة، بنتان وولدان، تأثر بتجارب الحياة في مدينته وتفاعل مع ثقافات متعددة، مما أثرى كتاباته بتنوع الهويات وتعدد الثقافات في المنطقة.

انضم الخليل إلى اتحاد الكتاب العرب وأسس “جمعية ثورة الحرف” التي ساهمت في تعزيز المناخ الأدبي في المنطقة. وهم “جماعة أدبية، قام بها مجموعة من الطلاب في منتصف ستينيات القرن الماضي كتعبير ساذج عن الخروج بالأدب من الفردية إلى التجمع” وفقاً لقوله.

ويقول الروائي أنه انطلق في كتابة مشروع أدبي عن التحولات الاجتماعية في الرقة. ومن أعماله حارة البدو 1980، الضباع 1985، الهدس 1987، حارس الماعز 2002، سودوم.. سباق الإوز البري 2003، وصيارفة الرنين 2008. وله في القصة البحث عن سعدون الطيب 1968، البازيار الجميل 1998، مال الحضرة 1998، غدير الحجر 1998، أرغفة النعاس 2001، والورل 2002.   

وتعكس أعماله الأدبية التحولات الاجتماعية والثقافية في سوريا. ومن خلال كتابه الأخير “سيناريوهات الجسد.. نصوص عابرة للأشكال”، استمر الخليل في استكشاف النصوص الأدبية بأساليب مبتكرة وجريئة.

ويضيف لنورث برس: “أعمالي الأخيرة خارجة عن أشكال الرواية والقصة والشعر والمسرحية لذا عنونتها بـنصوص عابرة للأشكال، الذي ينتمي إلى كل النصوص ولا ينتمي ضمنها. محتفظاً شروط الأدب”.

ويعود الخليل بذاكرته إلى مكتبته، التي احتوت على 7 آلاف كتاب، وكانت ملجأ للمعرفة والثقافة في الرقة، لكن الحرب وسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على المدينة، أجبرته على إخفاء مقتنياته في قبو منزله. ورغم جهوده لحمايتها تدمرت المكتبة بالكامل جراء الحرب التي دمرت المدينة بنسبة 80 بالمئة. 

يستذكر الخليل زملائه من الجيل القديم عبد الله أبو الهيف وإبراهيم الجرادي، وخليل جاسم الحميدي، وهم أيقونات القصة القصيرة في سوريا، بحسب قوله.

وعن النشاط الأدبي في الرقة حالياً، يقول الخليل إن الأدب بشكل عام ينتمي إلى مسألتين وهما الموهبة والجهد، مستشهداً بمقولة للكاتب الأميركي ويليام فوكنر أن النص 99% جهد، و99% موهبة وهما متلازمان، ولكن مع الأسف اليوم إذا وجدنا الموهبة لا نجد الجهد والعكس صحيح.

ويضيف كانت الرقة عاصمة القصة القصيرة، أما الآن “لم يبقى من الكتاب إلا القليل القليل” بسبب الأحداث في سوريا. ويعود إلى نفسه قائلاً “لم أغادر الرقة رغم أن لدي فيزا دائمة من الولايات المتحدة الأميركية”.

وفي العام 1999 سافر الخليل إلى الولايات المتحدة الأميركية بدعوة من الحكومة هناك، وكانت محطة هامة في مسيرته حيث أتيحت له الفرصة للتفاعل مع العديد من الكتاب والمفكرين. وفي العام 2006 سافر إلى الصين التي اعتبرها إضافة جديدة لتجربته، حيث تأثر بالثقافة الصينية وأساليبها الأدبية المختلفة.

يقول الخليل لم تتحقق كل أحلامي في واشنطن لأنني حاولت أن ألتقي بإدوارد سعيد لكنه كان مريضاً، وتشومسكي لأنه كان في ولاية أخرى.

بفضل رؤيته وقلمه الحيوي، استطاع إبراهيم الخليل أن يبقى على رأس قائمة الكتّاب المؤثرين في المنطقة، ورغم مرور الزمن وتقدم العمر، يظل ملهماً للأجيال الجديدة من الكتّاب والقراء. 

يحلم الخليل بسوريا تحتضن جميع أبنائها بغض النظر عن الطائفة أو القومية، ويسعى دائماً إلى تحقيق ذلك من خلال كتاباته ونشاطاته الثقافية.

تحرير: محمد حبش