مخاوف من تكريس واقع “الفساد” في عيادات ومشافٍ خاصة بالقامشلي

القامشلي – نورث برس

يرى مراقبون للواقع الصحي في مناطق الإدارة الذاتية بشمال شرقي سوريا أن الأوضاع غير المستقرة وغياب الرقابة خلقت فرصاً لاستغلال حالات الفوضى، خاصة في المرافق الطبية الخاصة، من خلال الرشاوي وتزوير التقارير الطبية وغيرها.

ويشير سكان قصدوا مدينة القامشلي بهدف تلقي الرعاية الصحية إلى أنهم يعانون من ارتفاع الأسعار وغياب الرقابة على الأطباء والمشافي الخاصة، مما يجعلهم عرضة للاستغلال في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. 

تراكم الفوضى

خليل علي، واحد من هؤلاء الذين تعرضوا للاستغلال،  فقد قطع مسافة 90 كم من مدينة ديرك إلى القامشلي بهدف مراجعة طبيب ابنتها التي تعاني من إعاقة، ويشكو من عدم قدرته على شراء الدواء بسبب ارتفاع الأسعار.

أما مصطفى يوسف من سكان القامشلي، يشير إلى انعدام الخدمات الرقابة في المرافق الصحية الخاصة قائلاً: “جئت لمراجعة الطبيب، وأنا انتظر في الشارع، ويوجد ازدحام في الداخل (العيادة)، ولا يوجد مراعاة للنظافة العامة وأخشى أن يتنقل المرض لي”.

ويقول عبد اللطيف حسن، من سكان ريف القامشلي الذي قصد المدينة لإجراء عملية جراحية لزوجته في إحدى المشافي قائلاً: “الخدمات معدومة بالرغم من ارتفاع تكاليف البقاء في المشفى”.

أما فاطمة حسين، هي أيضاً من القامشلي، تقول إن بعض الأطباء والمشافي الخاصة يراعون الأوضاع الاقتصادية للمرضى، ولكنها تشير إلى تفاوت الأسعار جراء الرعاية الصحية سواء في المشافي أو العيادات أو المراكز الطبية.

ومن جانبها ترى أسمهان محمد أنه يجب تفعيل الرقابة على العيادات والمشافي الخاصة، مشيراً أن “غياب الرقابة سببت في معاناتهم”.

“أطباء استغلوا مناصبهم”

يرى إياد عبدالكريم، مدير أحد المشافي الخاصة في القامشلي، أن الفساد الصحي منتشر في الكثير من المجتمعات حتى المتقدمة منها “إلا أن حالات الفوضى تساهم بارتفاع معدلاتها”.

ويشير أن بعض الأطباء استغلوا مناصبهم لأغراض ربحية، كفرض إجراء تحاليل إضافية في مراكز معينة، وشراء ادوية مصرفة بوجبة وصفة طبية من صيدليات محددة. “ما نتج عن فقدان الثقة بين المرضى والأطباء والمشافي”.

أما محمد علي عبدي، طبيب القلب والقثطرة، يشير إلى أن الواقع الصحي في المنطقة انهار خلال الحرب السورية. ويوضح أن الأطباء، شأنهم شأن باقي أفراد المجتمع، قد يلجأ البعض منهم إلى استغلال الأوضاع لمصالح شخصية.

ويقول: “بعض الأطباء يتعاملون بطريقة تجارية خالصة مع مندوبي الأدوية، مما يؤدي إلى طرق احتيالية لاستغلال حوائج المرضى، حيث يتقاسم الأطباء مع المندوبين نسب الأرباح”.

ويرى أخصائي القلبية أن تنظيم العمل الطبي غير صحيح في المنطقة، مشدداً على ضرورة وجود مؤسسات فاعلة مثل نقابات الأطباء، اتحاد الأطباء، هيئة الصحة، ومنظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى دور الإعلام في مكافحة التجاوزات”.

صناديق فارغة

لكن، وفقاً للرئيس المشترك لاتحاد أطباء قامشلو، مصطفى عبدالكريم ، فإن مهمة الاتحاد لا تقتصر على الدفاع عن حقوق الأطباء فحسب، بل تشمل أيضاً مراقبة الأطباء في المشافي والمراكز الطبية من خلال لجان المراقبة والتفتيش.

ويقول إن الاتحاد وضع صناديق للشكاوى في أماكن متعددة لتشجيع السكان على الإبلاغ عن أي تجاوزات، “إلا أن هناك نقصاً في ثقافة تقديم الشكاوى”.

ويضيف: “مع استمرار الأزمة السورية والضربات التركية، إضافة إلى الحرب مع داعش، هاجر الكثير من شرائح المجتمع، بما فيهم الأطباء، ومع ذلك، يقدر الاتحاد أن نحو 80% من الأطباء فضلوا البقاء وهم مستمرون في عملهم”.

ووفقاً لدراسة بحثية لعام 2023-2024، يبلغ عدد الأطباء بكافة الاختصاصات في مناطق شمال شرق سوريا 2072 طبيباً، في حين يقدر عدد سكان المنطقة بـ 5,771,000 نسمة. وبالنظر إلى إحصائيات وزارات الصحة في البلدان المجاورة والبلدان متوسطة الدخل التي تحدد حاجة طبيب واحد لكل 1000 شخص، يتبين أن هناك نقصاً في عدد الأطباء يصل إلى 3699 طبيباً في المنطقة.

“العام يغلب الخاص”

من جانب آخر، يتحدث حسام الحمد 54 عاماً، من القامشلي، عن تجربته الصحية في إحدى المشافي التابعة لهيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية، قائلاً إن “القطاع العام تغلب على الخاص” من حيث جودة الخدمات المقدمة والأسعار المناسبة مقارنة مع المراكز الخاصة. 

ويضيف الرجل الذي أجرى عملية قثطرة قلبية في مشفى “القلب والعين”: “دفعت ربع تكلفة العملية التي حددتها لي المشافي الخاصة”.

ويُعتبر مشفى “القلب والعين” أول مشفى تخصصّي افتتحته الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا في كانون الثاني/ يناير 2019 كخطوة لتحسين الواقع الصحي.

وفي نفس السياق أنشأت منظمات المجتمع المدني سابقاً، (يعرف حالياً باسم كونفدراسيون المجتمع الديمقراطي)، مركز “عيادات الشعب” للعيادات التخصصية في القامشلي “بهدف تقديم الرعاية الصحية المناسبة”.  

وتتوزع الاختصاصات الطبية المتواجدة في المركز على أطفال ونسائية وداخلية وعصبية وجراحة عصبية وعظمية وبولية وجراحة عامة. كما تتوفر العيادات الخاصة بأمراض الدم والصدرية والهضمية الى جانب الجلدية والغدد.

وتضم صيدلية مجانية “مقدمة من الإدارة الذاتية والمنظمات الإنسانية إلى جانب حسم خمسة عشرة بالمئة من قيمة المعاينة والأدوية المباعة”, بحسب مدير المركز في القامشلي.

تحرير وإعداد: محمد حبش