بمساعدة الأجهزة الأمنية السورية … إيران يكثف انتشاره في ريف حمص

عمر عبد الرحمن – حمص

تعتبر حمص نقطة جذب للأطراف المتنازعة في سوريا، من حيث وقوعها في وسط سوريا ومنها يمكن الوصول إلى العاصمة دمشق وحلب والساحل السوري، لذا كانت هدفاً لإيران التي تحرص للسيطرة على حمص التي تقع في قلب الطريق الواصل من طهران إلى المتوسط.

وتتميز المدينة بالتنوع الإثني والطائفي، وبقيت أطيافها لسنوات تعيش بوئام حتى عام 2011 عند بدء الحرب السورية التي استهدفت خلق فجوة بين الطوائف والإثنيات.

ونالت حمص نصيباً كبيراً من الدمار، والذي دفع سكانها للهجرة منها إما بدافع الهروب من الحرب أو المخاوف الأمنية وحتى الترحيل إلى الشمال السوري.

وبما أن المدينة كانت هدفاً لإيران، عملت منذ 2016 للسيطرة عليها، وركزت إيران على السيطرة الثقافية والفكرية إلى حد بعيد، ووجهت جهودها وبعثاتها لنشر المذهب الشيعي كأداة لتوسع نفوذ إيران في المنطقة والذي يعتبر أهم من السيطرة العسكرية لديها.

وبما أن الفصائل الإيرانية تسيطر على منطقة البادية السورية فعلياً، وذراعها اللبناني “حزب الله” بريف دمشق وحمص الجنوبي، كثّفت إيران نشاطها لتتغلغل في ريف حمص الشرقي والشمالي، والشمالي الغربي.

بعثات شيعية

يقول حسن الجابر، أحد سكان بلدة تلبيسة بريف حمص الشمالي، إن دخول البعثات الشيعية إلى البلدة لاقت استياءً كبيراً لدى السكان، حيث رفضت دخول تلك البعثات إلى البلدات رفضاً كاملاً، “لكن بعد عدة اجتماعات مع وجهاء البلدة بينوا لنا أن الأمر مفروض على سكان البلدة وإذا تم الاعتراض سيتم ملاحقتنا أمنياً”.

ويضيف أن تلك البعثات منذ أول دخولها إلى البلدة منذ قرابة الشهرين بدأت باستقطاب السكان والتنسيق مع المدارس وإعطاء حصص دينية ضمن المدارس ونشر صور للشيعة والرايات الخضر في كافة أرجاء البلدة والمؤسسات الأمنية والمدنية، وتوعدت بازدهار المنطقة في حال تعاونهم مع تلك البعثات.

ويشير لنورث برس، إلى أنه “رغم أن بلدة تلبيسة تتسم بالطابع السني وتنتشر فيها عدة مراكز لتعليم القرآن والفقه السني، لكن جميعها أغلقت بدخول البعثات الشيعية التي تهدف لطمس هوية المنطقة الدينية”.

ويذكر أن تلك البعثات “تستغل فقر سكان البلدة وحاجتهم لفرص العمل التي توعد بها تلك البعثات في خطب الجمعة وبعد كل صلاة في المساجد”.

تسهيل عملها

في السابع عشر من كانون الثاني/يناير 2023، وجهت إدارة المخابرات الجوية في الأجهزة الأمنية التابعة لحكومة دمشق كتاباً يعمم على خطباء المساجد في ريف حمص الشمالي توجيه خطب الجمعة لتسهيل عمل البعثات الدينية التي تقودها إيران بهدف تشييع المنطقة ونشر المذهب الشيعي فيها.

وأكدت في كتابها تعرض الخطباء وأفراد السكان للملاحقة الجنائية في حال تم اعتراض تلك البعثات، وفرض دورات للسكان للخضوع لدورات دينية في المذهب الشيعي.

كما وجهت خطباء المساجد بمساعدة أفراد تلك البعثات بتقبل سكان المناطق بريف حمص الشمالي والتعايش معهم سلمياً، ويسمح لهم بشراء عقارات وأراضي يتم تحديدها حسب طلب أفراد تلك البعثات.

وتحاول إيران توسيع نفوذها السياسي والعسكري عبر نشر المذهب الشيعي، لتجنيد السكان لخدمة مصالح إيران ذات القومية “الفارسية”، بالإضافة إلى شراء العقارات لا سيما في المناطق التي تسيطر عليها فصائلها.

ومنذ مطلع العام الجاري، وصلت أكثر من خمسة بعثات لمعممين شيعة من جنسيات إيرانية وعراقية لبنانية إلى كل من بلدات الحولة وتلبيسة والزعفرانة والقرى المجاورة لها والتي يقطنها سكان من المذهب السني التي هُجّر غالبية سكانها، بحسب ما قاله سكان المنطقة لنورث برس.

وفي بلدة تلبيسة بريف حمص الشمالي عمدت البعثات الإيرانية بمساعدة الجهات الأمنية بمصادرة منزلين بالقرب من الجسر الرئيسي في البلدة وتحويلهم إلى مراكز إقامة لتلك البعثات بحماية من عناصر المخابرات، كما عمدت تلك البعثات إلى التسلط على مسجد سعد بن أبي وقاص وتغيير اسمه للأمام الحسين، وعقدت فيه دورات شيعية وندوات ومسابقات للأطفال وتوزيع مبالغ مالية في محاولة استقطاب السكان الذين أنهكتهم الظروف الاقتصادية جراء الأزمة الاقتصادية التي تشهدها سوريا.

مذهب دخيل

ويقول محمد الجاسم أحد سكان بلدة الدار الكبيرة شمالي حمص، إن “المذهب الشيعي هو مذهب دخيل على البلدة وينافي مذهبنا وديانتنا، إلا أن الخوف ومساندة الأجهزة الأمنية للممارسات الإيرانية دفع السكان للصمت خوفاً من التغييب في المعتقلات”.

ويضيف الجاسم لنورث برس، أن غالبية سكان البلدة من الذين يملكون دخلاً جيداً نقلوا عوائلهم إلى بيوت مستأجرة في مركز المدينة خوفاً على أطفالهم من اعتناق المذهب الشيعي الذي تروج له البعثات بشكل كبير.

وافتتحت البعثات الشيعية مركزاً لتعليم الأطفال المذهب الشيعي بالقرب من بلدية الدار الكبيرة، وشهد إقبالاً ضعيفاً من بعض الأطفال للدافع المادي فقط حيث يخوض الطفل دورة تعليمية لشهر وعند انتهاء الدورة يحصل على مبلغ 500 ألف، بحسب الجاسم.

وتستغل تلك البعثات فقر السكان وتستجرهم الى التشيّع لخدمة إيران وتنفيذ مخططها في سوريا لطمس الهوية السورية ونشر المذهب الشيعي الذي تعتمده إيران لخدمة مصالحها.

ومنذ بداية العام الجاري صادرت تلك البعثات الشيعية عدة منازل وأبنية حكومية حولتها إلى مقرات واستراحات لهم ودور لتعليم المذهب الشيعي أبرزها في مسجد سعد بن أبي وقاص في تلبيسة، ومنزلين لعوائل مقيمة في بيروت بالقرب من بلدية الدار الكبيرة، ونادي الرستن الرياضي الذي حولته إلى حديقة لمسابقات للأطفال ومركزاً بالقرب من مسجد عقبة بن نافع في بلدة الرستن شمالي حمص.

وبدأت تلك البعثات بتجهيز معسكر لتجنيد الشباب خلف محطة محروقات على أطراف بادية الرستن لتعليمهم على السلاح وتطوير الشباب، ولم تطلق عليه اسماً بعد.

فرض البعثات

ويقول حازم العبدالله، من سكان بلدة تيرمعلة بريف حمص الشمالي، إن سكان البلدة استنزفوا واستضعفوا ولا يستطيعون صد البعثات الشيعية التي فرضت عليهم من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة دمشق، حيث غالبية السكان خضعوا للأمر وفرضت عليهم دورات عقائدية شيعية منذ شهرين وحتى الآن وبشكل يومي بعد صلاة العصر في مسجد أبوبكر الصديق الذي حاولت تلك البعثات تغيير اسمه لكن استياء السكان حال دون ذلك.

وبدأت تلك البعثات في أول الأمر بافتتاح دورات عقائدية للأطفال لتصل اليوم للشباب، ويتخوف السكان أن تشمل تلك الدورات النساء في المستقبل القريب.

ويؤكد العبدالله، خوف وقلق السكان من انتشار المراكز الشيعية والمقرات العسكرية التي هي أساساً ستصبح أهدافاً لضربات الطيران الإسرائيلي وستشكل خطراً أمنياً على حياة السكان، ناهيك عن طمس هوية المنطقة الدينية.

تحرير: محمد القاضي