سامر ياسين – تل تمر
عقب شتاءٍ معتدل الحرارة، وغياب درجات الحرارة المنخفضة وعدم تشكّل الصقيع، انتشرت مع بداية فصل الصيف أصناف عديدة من الحشرات الطائرة والزاحفة في مدينة الحسكة وريفها.
وحسب المعتاد، وفي مطلع كل صيف من كل عام، تبدأ الحشرات المألوفة كالبعوض والذباب بالانتشار والتكاثر في عموم المناطق التي تزداد درجات الحرارة فيها،.
ولكن الملحوظ هذا العام هو الانتشار المخيف لأعداد الحشرات، وخاصة في الأماكن المزروعة بريف الحسكة، مع مخاوف من انتشار حشرات سامة والتي لها تأثير خطير على السكان في المنطقة.
ضرر بالمحاصيل الزراعية
لم يحسب بعد، عويّد المحمد (53 عاماً)، خسارته من أرضه المزروعة بالقمح هذا العام، وذلك بعد إصابتها بمرض الصدأ الأصفر، وهو مرض فطري تسببه أحد أنواع الحشرات التي تنشط بداية فصل الصيف، وتضرب النبات الذي يحمل سنابل القمح.
عويّد مزارع من قرية تل طالعة بريف تل تمر الجنوبي، زرع بداية الشتاء 15 دونماً من القمح في أرضه الواقعة جنوب قريته، وكان يعتقد أنه سيسترجع النقود التي تدينها لأصحابها بعد جني محصوله من القمح، قبل أن يتفاجأ بالمرض الذي ضرب أرضه والمحصول.
ويقول لنورث برس: “لم أعمل في حياتي إلّا بالزراعة، ولكن لم أتضرر في أي عام من كثرة الحشرات والأمراض إلا هذا العام، وهذه السنة الأولى لي منذ عملي بالزراعة أرى الصدأ الأصفر الذي نهش محصولي بالكامل”.
وبحسب خبرته، يرجع المزارع سبب انتشار الحشرات والأمراض بكثرة هذا العام لعدم انخفاض درجات الحرارة في الشتاء، وعدم تشكّل الصقيع على الأرض، لأن تشكّله يعيق تكاثر وانتشار الحشرات بنسبة كبيرة.
فيما يقدّر المزارع محمد صبحي، من قرية العوجا بريف تل تمر الجنوبي، خسارته بحوالي 5 ملايين ليرة سورية، بأرضه التي يبلغ مساحها عشرة دونمات، والتي كان قد زرعها بالقمح أيضاً بداية فصل الشتاء، والتي تعرضت لذات المرض الذي أكل المحصول بشكل شبه كامل.
صبحي يؤكد في حديثه لنورث برس، بأن السبب الرئيسي لانتشار الأمراض والحشرات بكثرة هذا العام، هو تأخر فصل الشتاء وهطول الأمطار، مما زاد الرطوبة في الجو، الأمر الذي ساعد بنشاط هذه الحشرات بين الأراضي الزراعية.
أمراض جلدية
يعاني القاطنون في مدرسة قرية تل طالعة بريف تل تمر، والذين نزحوا من قرى وبلدات تسيطر عليها تركيا، من الانتشار الكبير للحشرات والبعوض والذباب، ويتخوفون من انتشار حشرات سامة، قد تسبب بأمراض جلدية خطيرة أو أمراض أخرى تؤثر على الأطفال على وجه التحديد.
وتقول عذاب سليمان إحدى القاطنات في المدرسة، والتي نزحت مع عائلتها من قرية الريحانية بريف تل تمر الشمالي، عقب سيطرة تركيا على قريتها، إن انتشار الحشرات مخيف ضمن المدرسة والغرف التي يقطنوها.
وتضيف لنورث برس: “الحشرات منتشرة في المدرسة بشكل كبير جداً ومخيف، وحتى منها حشرات سامة، والآن ابنتي تعاني من ارتفاع بدرجات الحرارة واحمرارٍ في جسدها من لسعات الحشرات”.
وتذكر: “نحن محاطون من كل الجهات بالأراضي والمحاصيل الزراعية، لذلك انتشرت الحشرات بكثرة في هذه المنطقة مقارنة مع الأعوام السابقة، ونحن متخوفون على أطفالنا من هذا الانتشار”.
وباتت ظاهرة احمرار وانتفاخ الوجه وظهور البقع الحمراء في أماكن مختلفة من اجسام الأطفال أمراً ملحوظاً، ومنها أيضاً ابنة عامر الخضر، الذي يسكن في ذات المدرسة، والذي اشتكى أيضاً من الانتشار الكبير للحشرات.
ويقول الخضر لنورث برس، إنهم ومنذ فترة لا تتجاوز الأسبوع، لاحظوا الانتشار الكبير للحشرات والبعوض في المنطقة، وبات الأطفال يعانون من لسعات هذه الحشرات بشكل كبير، ويزداد معه التخوف من إصابة الأطفال بأمراض أخرى.
ويطالب القاطنون في المدرسة، الجهات المعنية بالتدخل الفوري لمكافحة هذا الانتشار الواسع للحشرات، عبر رش مبيدات حشرية أو منحهم أدوية مضادة للسع، تفادياً لتأزم الوضع أكثر مما هو عليه.
انتشار ومخاطر
يؤكد الطبيب الاخصائي بالأمراض الجلدية، شحادة البلوي، بأن النشاط الكبير في حركة وتكاثر الحشرات هذا العام يعود لعدم تشكّل الصقيع في المنطقة، مما ساعد على انتشارهم بشكل واسع وبأنواع وأصناف مختلفة.
ويقول الطبيب لنورث برس: “من المعروف بأن في فصل الصيف تبدأ الحشرات بالنشاط والتكاثر كالبعوض والذباب وذبابة الرمل التي تتسبب بمرض اللاشمانيا (حبة حلب)”.
ويضيف: “في الأيام الأخيرة القليلة انتشرت حشرة القارص أو المعروفة بالبعوضة، والتي تكون أعراض لسعتها طفيفة قد تؤدي إلى حساسية جلدية مع حكة، إلى جانب الذباب الذي من الممكن أن ينقل أمراض تؤدي للإصابة بالإسهال والانتانات الداخلية في الجسم”.
ويشير إلى أن “منطقة الجزيرة منطقة مدارية صحراوية، تنتشر في هذه الفترات أمراض جلدية تتعلق بشكل رئيسي بالتحسس الشمسي، بسبب التعرض لأشعة الشمس ودرجات الحرارة العالية، إضافة إلى التعرق وأمراض أخرى تتعلق بالحرارة، كل هذه إلى جانب الأمراض التي تتسببها الحشرات التي تنتشر في مثل هذا الوقت”.
ويوصي الطبيب بضرورة حماية المنزل والأماكن المغلقة من القارص والحشرات، عبر تركيب عوازل ناعمة تمنع دخولها (الغربال)، إضافة للبس الكم الطويل الذي يغطي الجسم للحماية من اللسع، ورش المبيدات الحشرية على الأبواب والنوافذ لمحاربة انتشار الحشرات قدر الإمكان.
ويشدد الطبيب على ضرورة مراجعة أقرب مركز طبي في حال الشك أو الإصابة بمرض جلدي إثر لدغ أو لسع الحشرات للجسم، وذلك يسّهل من السيطرة على المرض وعلاجه بوقت أسرع وبفعالية أكبر.