“نحن من دفع الثمن”.. آشوريو الحسكة يرفضون تسليم رعايا “داعش” دون محاكمة
سامر ياسين – تل تمر
بعد استعادة بعض دول العالم رعاياها من حملة جنسياتها ممن انخرطوا في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أو عوائلهم، يدور سؤال وحيد ورئيسي في أذهان آشوريي بلدة تل تمر بريف الحسكة، وهو “من سيأخذ حقنا منهم؟”.
وحسب إحصائيات قبل الحرب السورية وهجمات التنظيم على المنطقة، كان تعداد الآشوريين في سوريا يتجاوز 25 ألف نسمة، وفي منطقة تل تمر والخابور كان تعدادهم يتجاوز 8 آلاف شخص، ولكن الآن لم يتبقى منهم إلا حوالي 1000 شخص فقط.
ومطلع عام 2015، هاجم تنظيم “داعش” القرى المسيحية الواقعة على ضفتي نهر الخابور، في بلدة تل تمر شمال الحسكة، وسيطر على 33 قرية آشورية، وبقي فيها لمدة تجاوزت ثلاثة أشهر، وقتل وخطف حوالي 280 آشوري بينهم أكثر من 50 طفل وحوالي 100 من النساء، ودمّر وفجّر سبع كنائس في تلك القرى، أهمها كنيسة السيدة مريم العذراء في تل نصري، التي كانت وجهة مهمة ورئيسية لمعظم الآشوريين في سوريا.
وسلّمت الإدارة الذاتية متمثلة بدائرة العلاقات الخارجية عشرات الرعايا ممن انضموا إلى “داعش” والذين يحملون جنسيات عدة دولية أوروبية وأميركية وعربية، بموجب مذكّرات استلام وتسليم، وما زالت عملية استعادة الرعايا مستمرة إلى الآن، رغم خجولة موقف بعض الدول منها.
جرائم حرب
يستعيد داوود طليا (64 عام)، ذكرياته عندما كان مخطوفاً لدى التنظيم، ويؤكد من خلال سرده لقصته وتعليقاً على استعادة هؤلاء الرعايا لدولهم بأن الإنسان الذي زُرعت بداخله فكرة الإرهاب من المستحيل أن ينساها أو يتغير، حتى لو بقي مئات السنين في السجون، وسيعود لنشاطه في أول فرصة تسنح له.
داوود طليا الذي خطفه التنظيم مع زوجته وابنته مع بداية اقتحام عناصر التنظيم لقريته تل شاميران، بريف تل تمر الجنوبي الغربي، والذي بقي محتجزاً مع عائلته لدى التنظيم مدى تجاوزت العام، حيث نقلهم التنظيم خلال هذه الفترة بين جبل عبد العزيز ومدينة الشدادي والرقة، عندما كانت تحت سيطرته آنذاك.
طليا بدأ في حديثه لنورث برس بعبارة “الطبع يغلب التطبّع”، مؤكداً أن عناصر هذا التنظيم ممن لم يحاسبوا أو يحاكموا سيعودون للنشاط الإرهابي مرة أخرى، والدليل الأكبر على ذلك عندما أتيحت لهم الفرصة في سجن الصناعة بمدينة الحسكة، كيف قاموا بالقتل والخطف والتدمير مرة أخرى، حسب تعبيره.
ويضيف: “يجب محاسبة هؤلاء الأشخاص ومحاكمتهم، بمحكمة ميدانية أو عسكرية وبإشراف دولي، لأن هؤلاء الأشخاص ارتكبوا جرائم حرب في سوريا، وعلى الأخص الدمار والخراب الذي تركوه في القرى الآشورية بعد خروجهم، إضافة للخطف والأسر وقتل المدنيين، وهجّروا الآلاف من الشعب وخاصة من منطقة الخابور”.
وطالب الستيني ما أسماها بالدول العظمى كأميركا وروسيا والتحالف الدولي، بمحاسبة هؤلاء (الإرهابيين)، لأن السبب الرئيسي لهجرة الشعب الآشوري من المنطقة هو هذا التنظيم، حيث لم يتبقى في المنطقة أكثر من 700 شخص آشوري فقط، حسب داوود.
دفعنا الثمن غالياً
ويعبّر زياد يعقوب (60 عام)، كسابقه عن رفضه لتسليم أو استعادة رعايا الدول ممن لهم صلة مع التنظيم إلى دولهم إلا بمحاسبة عادلة تضمن حقوق الشعب الآشوري، الذي دفع الثمن غالياً، بالقتل والخطف والتهجير وتدمير الكنائس، حسب قوله.
ويقول زياد وهو آشوري من قرية تل نصري بريف تل تمر، والتي كانت تستقبل الآلاف من الآشوريين قبل تدمير كنيستها “يجب أن يكون هناك ضمانات حقيقية بين المفاوضين على ملف عودة الرعايا من عناصر أو عوائل التنظيم إلى بلدانهم، لأننا دفعنا الثمن غالياً، من خلال دماء شهدائنا وتدمير قرانا ونزوحنا الجماعي وتدمير منازلنا، فمن غير المعقول أن يذهب كل هذا الإجرام دون أي ثمن”.
ويضيف يعقوب، لنورث برس: “عندما نرى أخباراً عن استعادة أي دولة لرعايا من هذا التنظيم نشعر بأننا ظلمنا كثيراً، وضاعت حقوقنا دون أن يشعر أي أحد بنا، فيستحسن من المفاوضين محاسبة هؤلاء الأشخاص أو الفرض على دولهم وأخذ ضمانات حقيقية منهم لمحاسبة هؤلاء الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجرائم”.
ويحذّر زياد يعقوب من تبعية استعادة هؤلاء الأشخاص دون محاسبتهم أو محاسبة من يستعملهم كأجندة له، بأنه من الممكن إعادة صفوفهم واستعمالهم في موقع جغرافي آخر أو بنفس هذا الموقع حتى، حسب تعبيره.
شك بنزاهة محاكمتهم في بلدانهم
ويتساءل سركون صليو، وهو أيضاً من قرية تل نصري عدة أسئلة تعقيباً على استعادة الرعايا من التنظيم لدولهم، ويقول “من يدفع ثمن هذه الأرواح الطاهرة التي استشهدت دفاعاً عن هذه القرى والكنائس؟، ومن يدفع القيمة المعنوية للشعب الذي هجّر من هنا والذي لا يقدّر بكل أموال العالم؟، ومن يدفع القيمة المادية للمنازل والكنائس التي دمرها التنظيم في قرانا؟”.
ويصف سركون بقاء هؤلاء العناصر في المنطقة دون محاكمة بالظلم، فهم يشكّلون خطراً كبيراً على المنطقة وهم كالقنبلة الموقوتة، بسبب عددهم الكبير الذي يقدر بعشرات الآلاف، وتسليمهم إلى دولهم دون محاكمة أيضاً يعتبر ظلماً، بسبب عدم ضمانة النزاهة في المحاكمة، حسب قوله.
ويضيف صليو، في حديثه لنورث برس: “عندما نسمع خبر تسليم الرعايا إلى دولهم دون محاكمة ننفعل ونشعر بالظلم، لأننا نشك أصلاً بحكومات دولهم بأن تحاكمهم محاكمة عادلة على الجرائم التي ارتكبوها بحق شعبنا وأرضنا ووطننا، ونشعر بمرارة مرة أخرى”.
ويطالب الجهات المعنية محاكمة هؤلاء الأشخاص محاكمة عادلة، خوفاً من تكرار ما حصل في السابق، لأن الشعب الآشوري هو من أخذ النصيب الأكبر من الأضرار والذبح والقتل والتدمير في شريط نهر الخابور، حسب سركون.