في نيسان/ أبريل، شنت كل من إيران وإسرائيل غارات جوية على أراضي بعضهما البعض لأول مرة، في تصعيد اعتبر كبيراً منذ الحرب الباردة التي استمرت عقوداً، حيث شهدت قيام إيران بالضغط على إسرائيل عبر ميليشيات عربية بالوكالة. وفي حين أن الضربات المباشرة لم تتسبب في وقوع إصابات حتى الآن، فقد تجاوز الخصوم الآن خطاً لا يمكنهم تجاوزه.
في الأول من نيسان، أدى قصف إسرائيلي إلى مقتل جنرالين إيرانيين اثنين وخمسة عناصر آخرين في دمشق. ورداً على ذلك، ، هاجمت إيران في 13 نيسان/أبريل إسرائيل مباشرة وأطلقت أكثر من 300 صاروخ وطائرة بدون طيار. وبحسب ما ورد تمكنت إسرائيل، ومن خلال نظام دفاعها الجوي القبة الحديدية، من اعتراض 99% من الصواريخ دون أن تتكبد أي خسائر. وفي 19 نيسان/أبريل، ردت إسرائيل بضربة محدودة في أصفهان، وسط إيران، دون وقوع إصابات أيضاً.
وعلى الرغم من أن الضربات لم تسفر عن أية خسائر بشرية في أراضي كل من إيران وإسرائيل، إلا أنهما يقتربان بشكل خطير من الحرب. فكيف وصلنا إلى هذا الوضع؟
“الموت لإسرائيل”
لا تنشأ النزاعات فجأة بلا سابق إنذار. دائماً ما يكون هناك تاريخ مرتبط بها، وخاصة في الشرق الأوسط. ولدى دولة إسرائيل والجمهورية الإسلامية الإيرانية تاريخاً من العداء يعود إلى تأسيس الأخيرة في شباط/فبراير 1979.
لقد غيرت الثورة الإسلامية كل شيء في إيران، وطمست إرث الملكية الفاشلة. حيث اتبعت الملكية سياسة خارجية متجذرة في القومية الإيرانية. وفي هذا السياق، لم تكن إسرائيل عدواً، بل كانت متعاونة ومفيدة للغاية. ومع ذلك، تبنى قادة إيران الجدد، الملالي، سياسة خارجية إسلامية. وباتت إسرائيل في تصورهم عدو لها في الشرق الأوسط، ونعتتها بـ”الشيطان الصغير”، والوكيل الإقليمي لـ “الشيطان الأكبر”، الولايات المتحدة.
اتبع الملالي إستراتيجية الحرب بالوكالة ضد إسرائيل منذ البداية. وكانت لبنان أول منطقة شهدت هذا التصادم غير المباشر، حيث تحوّلت حركة أمل الشيعية في عام 1979 إلى نواة القوات الموالية لإيران في لبنان. وفيما بعد، بعد غزو إسرائيل للبنان في عام 1982، تولى حزب الله هذا الدور، حيث قاد النضال الذي أدى بالنهاية إلى انسحاب إسرائيل من لبنان في عام 2000. ومن الواضح أن هذه الإستراتيجية أتت بثمارها حيث أصبح حزب الله الأقوى في لبنان. من وجهة نظر إيران، أصبح حزب الله جناحاً غير رسمياً للحرس الثوري الإيراني، وكانت مهمته إضعاف إسرائيل تدريجياً، ودعم نظام الأسد في سوريا والقوى الشيعية المعادية للأمريكيين في العراق. وفي وقت لاحق، دعمت إيران أيضاً التمرد الشيعي الحوثي في اليمن.
ومنذ فترة طويلة، تعمل إيران وبشكل ممنهج على تعزيز قواتها بهدف استخدامها ضد “الكيان الصهيوني” عندما يحين الوقت المناسب. وفي الوقت نفسه، تواصل إيران بلا هوادة سعيها لامتلاك قنبلة نووية. ويتمتع هذا السلاح بدورين مهمين بالنسبة لإيران. أولاً، سيكون كوسيلة ردع ضد إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهم العرب. ثانياً، ستكون الورقة القوية التي تحتفظ بها إيران في حال تفاقم الصراع مع إسرائيل ويخرج عن السيطرة.
سياسة إسرائيل الفاشلة بخصوص ايران
السؤال الأهم الذي نتج عن كل ما تم ذكره هو: لماذا سمحت إسرائيل بالوصول إلى هذه المرحلة؟ وكيف نجحت إيران في تحشيد كل هذه القوات ضد إسرائيل؟
الإجابة هي كالآتي, على مدى الـ15 سنة الماضية، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القائد الحاكم. بالنسبة له، يعتبر التهديد النووي الذي تشكله إيران التحدي الأهم لأمن وبقاء إسرائيل. وبالنسبة لليهود الذين لا يزالون يتذكرون المحرقة التي وقعت قبل أقل من قرن، فإن انقراض الشعب اليهودي يشكل خوفاً حقيقياً، ومن الطبيعي والمفهوم أن يربطوا هذا الخوف بتهديد قائم على الوجود مثل إيران.
ومع ذلك، هناك ثلاثة مشاكل رئيسية في سياسة نتنياهو. أولاً، لم يقدم إستراتيجية قابلة للتنفيذ للتعامل مع برنامج إيران النووي، وهذا الفراغ أصبح مثيراً للجدل بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني في عام 2015 وما تلا ذلك من تخلي الولايات المتحدة عن المعاهدة في عهد الرئيس دونالد ترامب.
ثانياً، وعلى الرغم من كل خطابات نتنياهو حول إعداد خيار عسكري إسرائيلي مستقل للتعامل مع المشروع النووي الإيراني، إلا أن إسرائيل لم تحضر مثل هذا البديل حتى الآن.
ثالثا، بينما كان البرنامج النووي الإيراني هو الموضوع الأبرز على جدول أعماله، أهمل نتنياهو معالجة مسألة التعزيز التدريجي لقوة حماس وحزب الله، وأصبحت المنظمتان جيشين كاملين أمام أعينه. وقد ظهرت نتائج هذا التطور بشكل واضح منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
نعم، لقد قام نتنياهو بالفعل بحملة جوية في سوريا بهدف معلن هو إعاقة الوجود الإيراني هناك وشحنات الأسلحة عبر سوريا إلى لبنان، ولكن في حين أن هذه الحملة أسفرت عن نجاحات محلية تكتيكية، إلا أنها فشلت إستراتيجياً. لقد كانت لإيران اليد العليا، وتمكنت من ترسيخ دائرة من الأعداء النشطين والفعالين حول إسرائيل. والأهم من ذلك أنها واصلت السباق نحو القنبلة دون انقطاع.
قراءة هجمات نيسان
في هذا السياق يجب أن ننظر إلى المواجهات الحالية بين إيران وإسرائيل. لقد تخلت كلا الطرفين عن السياسات التي اتبعتها لفترة طويلة. ولأول مرة، قامت إيران بمهاجمة إسرائيل مباشرة وليس عبر وكلائها. ورداً على ذلك، قامت إسرائيل بمهاجمة إيران مباشرة كرد عادل، وعلى الرغم من أن الهجوم كان هادئاً إلى حد ما، إلا أن اختيار الهدف لا يزال يشير إلى البرنامج النووي؛ حيث تم تدمير نظام رادار يحمي المنشآت النووية بالقرب من أصفهان. وبالتالي، فإن الضربة كانت بلا شك تصعيداً واضحاً.
وخسرت إيران تكتيكياً، حيث تم إحباط هجومها على الأغلب، في حين أثبتت إسرائيل قدراتها التي تظهر إمكانية تحقيق المزيد. ولكن هذا مجرد فشل تكتيكي ونجاح. ماذا عن النتائج الإستراتيجية؟
وهنا ترك لنا الأمر لنقيم الوضع. ماهي الدروس التي تعلمها كلا الطرفان؟
حسب توقعاتي، لن تتخلى إيران عن السياسات والأهداف التي اتبعتها منذ عام 1979. فقد جعلت النظام الإسلامي جزءاً أساسياً من وجوده. وسوف تستمر في استخدام الوكلاء والمشاركة المباشرة حسب تقديرها. وبحسب وجه نظرهم فقد تخطوا حاجزاً كبيراً وبالتالي يمكنهم مواصلة مهاجمة إسرائيل بشكل مباشر.
المسؤولية تقع على إسرائيل. لا تزال القيادة الإسرائيلية تتبع نتنياهو، ولكن معظمهم يفكرون بالفعل بفترة ما بعد نتنياهو (بعد الانتخابات القادمة التي أعتقد، وأتمنى فعلاً، أن تكون في خريف عام 2024). وستضطر إسرائيل إلى اتخاذ قرارات صعبة. هل ستتخذ إسرائيل إجراءات صارمة ضد حزب الله أم لا؟ وكيف ستنجز إسرائيل مهمة القضاء على حماس في غزة؟ وقبل كل شيء، ما هو موقف إسرائيل من البرنامج النووي الإيراني؟
ومع مثل هذه الاختيارات والمعضلات التي تواجه الجانبين، يمكننا أن نكون على يقين للأسف أن آخر جولة من العداوة لم تكن بداية النهاية، وربما ليست حتى نهاية البداية. ترقبوا.