إسرائيل تعيش في حالة تأهب عالية استعداداً لهجوم محتمل من إيران، وذلك عقب الغارة الجوية التي استهدفت القنصلية الإيرانية في سوريا قبل أسبوعين والتي أدت إلى مقتل عدد من كبار الضباط العسكريين الإيرانيين. حيث توجه إيران أصابع الاتهام لإسرائيل وتعاهد على الرد بالمثل.
كما وحذرت العديد من الدول مواطنيها بعدم زيارة المنطقة، حيث تتصاعد التوترات وتتزايد المخاوف من وقوع هجوم إيراني قريب المدى، مع تنامي المخاوف من اتساع رقعة الحرب في غزة.
كان قادة إيران من بين النقاد الأكثر حدة للعملية العسكرية التي قامت بها إسرائيل في قطاع غزة. ولم تخفي طهران إشادتها بالمهاجمين الذين يستهدفون الإسرائيليين، بما في ذلك الهجوم الذي قادته حركة حماس والذي زعمت إسرائيل أنه أسفر عن مقتل 1200 شخص في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
إسرائيل قامت بإعداد فيديو يُظهر مقاتلي حماس وهم يقتلون المدنيين، بما في ذلك الأطفال، ويحرقون الجثث. قامت منظمة هيومن رايتس ووتش بالتحقق من بعض مقاطع الفيديو التي توثق الهجوم، وطالبت المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في هذه الهجمات كجرائم حرب.
من ناحية أخرى، رحبت إيران بالهجوم الذي نفذته حماس، ووصفته بأنه “انتصار”. بعد ساعات من انتشار أخبار الهجوم في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، صرّح المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، لوكالة الأنباء الإيرانية إسنا بأن “ما حدث اليوم يتوافق مع استمرار انتصارات المقاومة المناهضة للصهيونية في ميادين مختلفة، بما في ذلك سوريا ولبنان والأراضي المحتلة”.
إيران تتهم إسرائيل بارتكاب الغارة الجوية التي وقعت في الأول من نيسان/أبريل على قنصليتها في دمشق و التي أسفرت عن مقتل سبعة أفراد من الحرس الثوري الإيراني، من بينهم جنرالات من الثوري الإيراني. بينما لم تؤكد إسرائيل أو تنفي وقوفها وراء الهجوم.
إذا ما كانت إسرائيل وراء الهجوم فإنه سيكون الهجوم الأحدث ضمن سلسلة من الهجمات ضد أهداف إيرانية.
كان عام 1979 محورياً
في الوقت الذي حُكمت إيران من قبل سلالة بهلوي لأكثر من نصف قرن، كانت العلاقات الثنائية بين إيران وإسرائيل بعيدة كل البعد عن العداء. كانت إيران من أوائل الدول الإسلامية التي اعترفت بدولة إسرائيل الجديدة.
رأى الشعب الفلسطيني في هذا الاعتراف قبولاً دولياً ضمنياً لما يسمونه بـ”النكبة”، أو الكارثة – وهي الطرد والتهجير القسري الذي تعرض له أكثر من 700 ألف فلسطيني عند إقامة دولة إسرائيل في عام 1948.
من جانبها، سارعت إسرائيل في إقامة علاقات مع الدول غير العربية، بما في ذلك التعاون العسكري والأمني مع إيران.
لكن الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 دفعت العلاقات بين البلدين إلى حالة من الفوضى، حيث تمت الإطاحة بالشاه محمد رضا بهلوي، واتبع المرشد الأعلى الجديد لجمهورية إيران الإسلامية، آية الله روح الله الخميني، سياسة الوقوف في وجه القوى العالمية “المتغطرسة”. خلال سنوات حكمه، أصبحت الولايات المتحدة معروفة في إيران باسم “الشيطان الأكبر”، وإسرائيل باسم “الشيطان الصغير”.
ومع ذلك، استمر التعاون المحدود بين إسرائيل وإيران حتى الثمانينات. ولكن فيما بعد، نشأ تنافس معادٍ بين إيران وإسرائيل مع تعزيز إيران للميليشيات بالوكالة وجماعات أخرى في سوريا والعراق ولبنان واليمن. وتطورت حرب خفية بين إيران وإسرائيل على مر السنين.
برنامج إيران النووي هو هدف رئيسي
كان برنامج إيران النووي – الذي أصرت إيران دائماً على أنه سلمي تماماً – محوراً أساسياً للهجمات الإسرائيلية. تعتقد طهران أن إسرائيل والولايات المتحدة قد قامتا بإدخال فيروس ستاكس نت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين لاستهداف أجهزة الطرد المركزي التي تخصب اليورانيوم لبرنامج إيران النووي.
واستمرت سلسلة من الهجمات التخريبية حتى عشرينيات القرن الحادي والعشرين، حيث سعت إسرائيل إلى إلحاق الضرر بالمنشآت النووية الإيرانية. كما تم استهداف علماء الطاقة النووية واعٌتبر قرار الرئيس دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في عام 2018 بمثابة ضربة لطهران وانتصار لإسرائيل.
وتواصل إيران الإصرار على أن برنامجها سلمي بنسبة 100بالمئة، على الرغم من أن بعض الحوادث، مثل الاكتشاف غير المبرر لجزيئات اليورانيوم في مواقع لم تكشف عنها إيران قط لوكالة المراقبة النووية التابعة للأمم المتحدة، تثير قلق النقاد الذين يشككون في دوافع إيران.
ومع خضوع إيران بقوة لسيطرة المتشددين الإسلاميين، وقيادة المحافظين لإسرائيل، ، يبدو أن هناك احتمالاً ضئيلاً للعودة إلى العلاقات الإيرانية الإسرائيلية الودية في أي وقت قريب.
حرب بالوكالة
تدعم إيران منذ فترة طويلة الجماعات المسلحة في جميع أنحاء المنطقة التي تستهدف إسرائيل وكذلك الجيش الأمريكي. ومن أهم هذه المجموعات هي حزب الله في لبنان، الذي تأسس في الثمانينيات لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان، حيث يقوم حزب الله بإطلاق صواريخ نحو شمال إسرائيل منذ بدء حرب غزة في تشرين الاول/أكتوبر.
وتدعم إيران أيضاً حركة حماس، الجماعة الفلسطينية المسلحة التي قادت هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر على جنوب إسرائيل الذي أشعل الحرب الحالية، والتي تقول سلطات الصحة في غزة إنها قتلت خلال الأشهر الستة الماضية أكثر من 33 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال.
وبالإضافة إلى ذلك، قدمت إيران دعماً للمتمردين الحوثيين في اليمن، الذين أطلقوا صواريخ باليستية على مدينة إيلات السياحية في إسرائيل الواقعة على البحر الأحمر، وشنوا هجمات على سفن الشحن – وهي هجمات يزعم المتمردون الحوثيون أنها تأتي في إطار دعمهم لحماس.
وتدعم إيران النظام السوري برئاسة بشار الأسد، حيث تقول إسرائيل إن طهران تستخدم الأراضي السورية لشحن صواريخ وأسلحة أخرى إلى حزب الله في لبنان. ونفذت إسرائيل العديد من الغارات الجوية في سوريا لوقف تدفق هذه الأسلحة، وقالت إن الجنرال الإيراني الذي قُتل في ضربة القنصلية كان شخصية رئيسية في تلك السلسلة اللوجستية.
ومع ذلك، يحذر المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون الآن من خطر تعرض إسرائيل لهجوم مباشر من قبل إيران. وقد صرح المرشد الأعلى لإيران، آية الله علي خامنئي، أن الهجوم الذي وقع في الأول من نيسان/أبريل على مبنى القنصلية في دمشق الذي تتهم إيران إسرائيل بتنفيذه، يعد بمثابة هجوم على الأراضي الإيرانية. وهدد بأنه يجب أن يتم “معاقبة إسرائيل وستُعاقب بالفعل”.
قالت إسرائيل إن هجوماً من الأراضي الإيرانية سيقابل برد مباشر على إيران، والذي من شأنه أن يؤدي إلى حرب إقليمية كبرى.
يقول مسؤولون أمريكيون إنهم قد أرسلوا رسائل إلى حلفائهم الذين لديهم علاقات أوثق مع طهران لحث إيران على ممارسة ضبط النفس. وأشار المسؤولون الأمريكيون إلى أنهم قد بثوا نفس الرسالة مباشرة إلى المسؤولين الإيرانيين أيضاً.