مانيش راي
مرّ هذا العام الذكرى الخامسة لتحرير بلدة الباغوز في محافظة دير الزور التي كانت بمثابة هزيمة الدولة الإسلامية (داعش) وما يسمى أيضاً بـ “الخلافة الإسلامية”. في أوائل عام 2019، بدأت قوات سوريا الديمقراطية بالتعاون الوثيق مع التحالف الدولي في دفع داعش إلى شرق سوريا، وفي نهاية المطاف، قادت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) المعركة إلى المناطق التي كانت ذات مرة معقلاً للتنظيم الإرهابي. وتمت محاصرة داعش بواسطة تقدم قوات سوريا الديمقراطية شرقي نهر الفرات وبواسطة النظام السوري وروسيا غربي النهر، فاضطر التنظيم إلى اتخاذ تدابير بائسة مثل حشد مسلحيه الأكثر تشدداً في الباغوز واستخدام المدنيين المختطفين كدروع بشرية وتنفيذ هجمات انتحارية. وواجه داعش هزيمة مذلة في الباغوز بالرغم من أنه استخدم كل ما لديه في تلك الحرب. وأصبحت بلدة الباغوز الصغيرة معروفة في جميع أنحاء العالم كمكان شهد فيه داعش معركته النهائية وخسارته، حيث انهارت عظمة الخلافة الإسلامية نهائياً وقتها.
سيطرت أشد الجماعات الإرهابية وحشية في العالم (داعش) ذات مرة على مساحة تبلغ 88 ألف كيلومتر مربع ممتدة عبر سوريا والعراق. وفرضت حكمها البربري على ما يقارب ثمانية ملايين شخص، وجنت مليارات الدولارات من النفط وعمليات الابتزاز والسرقة والاختطاف. وخلق تنظيم داعش أسطورة له من خلال أساليبه الشنيعة وحالة الرعب التي كان يستخدمها للسيطرة على المدنيين. ولا يزال العالم يتذكر جيداً كيف ازدهر تنظيم داعش على نظرية الوحشية عن طريق نشر الخوف والعنف بين السكان الأبرياء. ولم تسلم أي مدينة تحت سيطرته من وحشيته.
لكن تم إخفاق عظمة هذه الأسطورة عندما واجهت قوات سوريا الديمقراطية داعش وأظهرت للعالم أنه ليس سوى مجرد تنظيم ويمكن قهره. ولا يزال التنظيم الإسلامي غير قادر على العودة في العراق أو سوريا حتى الآن. إن التنظيم التكفيري الجهادي (داعش) موجود في كلا البلدين كحركة تمرد قوية، لكنه بالمقارنة مع إنجازاته السابقة يعد ضعيفاً وسيطرته محدودة في بعض المناطق. ولا يزال يعتبر التنظيم تهديداً أمنياً رئيسياً قادراً على شن هجمات في المنطقة وعلى مستوى العالم على الرغم من فقدانه سيطرته على بعض المناطق.
وعلى الرغم من انتهاء خلافته الإقليمية في عام 2019 ومقتل عدد من قادته المخضرمين في ذلك الحين، فإن داعش قد أظهر صموداً كبيراً. ولا يزال يعمل التنظيم كحركة تمرد نشطة للغاية وخاصة في الريف السوري. كما أن قيادة التنظيم العليا لا تزال تنشط من الأراضي السورية. ويبدو أن قادة داعش في الوقت الحالي يقومون بتوجيهات عامة عبر رسائل عن طريق الانترنت بدلاً من مراقبة العمليات اليومية للتنظيم في سوريا. كما يبدو أن التنظيم يعمل الآن على مستويين: الأول هو قيام مجموعة متمرسة من مقاتلي داعش بالتحرك وفقاً لتوجيهات القيادة وتنفيذهم هجمات معقدة. بينما يشكل المستوى الثاني قيام مجموعة أكبر من خلايا داعش بتنفيذ هجمات أصغر وأكثر تكراراً وقيامهم بجمع الأموال بطرق شنيعة مما يثير الرعب لدى عامة الشعب. وعن طريق اتباع هذا النهج، أصبح لدى داعش شبكات اتصال ونقل مترسخة تربط بين مناطق البلاد المختلفة، وقد أسند إلى خلاياه أدواراً محددة في كل مكان واعتبر أن أنشطته في كل منطقة تعزز من نشاطه العام في المناطق الأخرى. يستعد داعش لتحقيق هدف استعادة السيطرة الإقليمية عندما تسمح الظروف بذلك. هناك مجموعة تضم حوالي عشرة آلاف عنصر من مسلحي وقادة داعش محتجزين في سجون في سوريا، ومعظمهم في سجون مؤقتة تديرها قوات سوريا الديمقراطية التي لا تملك سوى موارد محدودة وتواجه هجمات تركية بشكل مستمر.
تعتبر شرق سوريا مساحة سياسية متنازع عليها بشكل كبير، وتمثل بيئة مناسبة لكيان غير دولي مرن وقادر على التكيف مثل داعش. وتلعب قوات سوريا الديمقراطية دوراً حيوياً في شمال شرق سوريا. وتمكنت قوات سوريا الديمقراطية – غالبيتها من الكرد – من إثبات نفسها كشريك رئيسي للغرب في مكافحة داعش وأنها القوة الأكثر كفاءة في الحد من انتشار جماعات الجهاديين. ومع ذلك، يواجه هذا الحليف الموثوق به للغرب هجمات مستمرة من الدولة التركية على شكل ضربات جوية وضربات بالطائرات المسيرة وقصف مدفعي ضد مواقع قوات سوريا الديمقراطية. ويهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستمرار بغزو المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، مما يفاقم الوضع أكثر.
من الممكن أن يعرض الغزو التركي الدفاع الكردي للخطر مما يجبر قوات سوريا الديمقراطية إلى صرف انتباهها ومواردها بعيداً عن عمليات مكافحة داعش باتجاه مواجهة القوات التركية المهاجمة. إذا حدث أي غزو تركي، فسوف تعطي فرصة ذهبية لداعش لإعادة بناء قوته من خلال تنظيم عمليات هروب من السجن والاستفادة من الفوضى الجيوسياسية لشن هجمات في المنطقة وخارجها. يجب على الولايات المتحدة وحلفاؤها اتخاذ بعض الإجراءات الفعلية لمنع الرئيس التركي أردوغان من تحقيق تهديداته بالغزو. وكان الضغط الدبلوماسي الدولي في الماضي مفيداً في هذا الصدد، ولكن يتعين المزيد من الجهود لكبح الدور المدمر لتركيا في شمال شرق سوريا.