مجازر “بنت الرعد”.. مواسم مستعرة بين داعش والميليشيات الإيرانية على قتل جامعي الكمأة

لامار أركندي – دير الزور

فتحت المواسم السنوية لجني فطر الكمأة في البوادي السورية جبهات مستعرة، حيث تتصارع خلايا تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” والمجموعات الإيرانية على استهداف جامعي ما تسمى أيضاً بـ”بنت الرعد”.

وارتكب الطرفان مجازر بحق عشرات العاملين في جمعها وحتى العسكريين من قوات الحكومة السورية نتيجة الألغام التي زرعها أطراف النزاع في المنطقة.

ووفقاً لإحصائية منظمة “إنسايت” الحقوقية، وهي منظمة ترصد انتهاكات حقوق الإنسان، بلغت حصيلة ضحايا جامعي الكمأة منذ بداية العام الجاري 105 أشخاص في كل من دير الزور والرقة وحمص وحماه.

وقتل 69 شخصاً من المدنيين والعسكريين خلال 23 حادثة مختلفة في تلك المناطق، حيث قتل 30 رجلاً و امرأة وطفل، بينما قتل 11 عنصراً من القوات الحكومية و23 عنصراً من الدفاع الوطني. بينما أصيب 36 شخصاً بينهم 4 عناصر من الدفاع الوطني.

مرتكبو المجازر

في وقت تتهم أطراف عدة خلايا “داعش” بارتكاب مجازر بحق عمال الكمأة وجه نشطاء وأهالي الضحايا أصابع الاتهام أيضاً إلى المجموعات الإيرانية.

وحمّل شقيق أحد الضحايا وهو من قبيلة بني خالد، فضّل عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، المجموعات الإيرانية عن مقتل شقيقه مع أكثر من 70 مدنياً يعملون على جمع الكمأة وغالبيتهم من أبناء القبيلة.

ويقول لنورث برس :”المجموعات الإيرانية تسعى إلى السيطرة على سوق الكمأة في البادية لذا ترتكب مجازر وحشية وتقتل أعداداً كبيرة من هؤلاء المدنيين الذين يبحثون عن رزقهم خلال هذا الموسم السنوي بسبب تردي الأحوال الاقتصادية في عموم سوريا”.

واتهمت دمشق حينها خلايا “داعش” بالوقوف وراء المجزرة التي شهدتها الصحراء المحيطة بمدينة حمص في منطقة السخنة العام الفائت.

وينفي الصحفي السوري المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية أسامة عبد الكريم، والذي جمع عشرات الشهادات من ذوي الضحايا، اتهام “داعش” بارتكاب مجزرة منطقة السخنة، ويقول لنورث برس: “استهداف جامعي الكمأة ورعاة الأغنام العام الماضي في منطقة السخنة كان من قبل عناصر لواء فاطميون والدفاع الوطني”.

لماذا يُستهدف جامعو الكمأة؟

يعتقد الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإرهابية أحمد سلطان، أن كلاً من “داعش” وحلفاء دمشق تقفان وراء تلك الهجمات التي تشهدها البادية السورية وتستهدفان العمال وجامعي الكمأة بهدف تحقيق أهداف اقتصادية.

ويقول لنورث برس: “الكمأة تباع بأسعار مرتفعة وتفرض إتاوات على العاملين خلال فترة جنيها وقد يمتنع جامعو المادة عن دفع الضرائب المفروضة عليهم، مما يضعهم في مرمى نيران كل من داعش والمجموعات الإيرانية اللتان تلجأن لزراعة الألغام في طرقات عبور سيارات العاملين، مما أدى لارتفاع أعداد الضحايا بشكل كبير”.

فيما يرى الصحفي عمر الخطاب، هو أيضاً متخصص في شؤون المجموعات الإرهابية أن لـ”داعش” أسباباً تتعلق بإيديولوجيته، “التنظيم يعتبر جامعي الكمأة مرتدين ويحكم عليهم بالقتل”.

ويشير إلى أن “داعش” يسعى لبث الرعب بين السكان وخلق الفوضى وانعدام الأمان ليسهل عليه إحكام سيطرته على تلك الجغرافية، “داعش يدّخر العنف كأداة لفرض عقيدته المتطرفة عبر إثارة الفتن الطائفية بين المجموعات المختلفة في البادية وزعزعة استقرار الحكومات المحلية وتبيان عدم قدرتها على حماية المدنيين وبالتالي طردهم من ساحات عمله”.

ويضيف: “العنف وسيلة التنظيم للضغط حتى على الأطراف الدولية للدخول معها في مفاوضات وبالتالي الحصول على تنازلات منها”.

أما بالنسبة للميليشيات الإيرانية، يرى الصحفي أنهم قد ينظرون إلى السكان كمصدر تهديد لسيطرتها على المنطقة، ما يجعلها تستهدفهم بطرق مباشرة أو غير مباشرة، سعياً لإجبارهم على الخضوع.

ويضيف لنورث برس: “هناك أيضاً إمكانية أن تكون هذه الهجمات ناتجة عن صراعات داخلية بين الميليشيات المختلفة نفسها والمتصارعة فيما بينها، حيث تسعى كل منها إلى بسط نفوذها على المنطقة”.

تنسيق ومصالح

منذ 2018 أصبحت مواسم جني الكمأة محفوفة بالمخاطر لاسيما بعد أن كشفت تقارير استقصائية عن تنسيق متبادل بين تنظيم “داعش” والمجموعات الإيرانية الموالية للحكومة السورية، وهذا ما أشار إليه مدير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” رامي عبد الرحمن في حديثه لـ نورث برس عن عدة تقارير لنشطاء المرصد فضحت العلاقة السرية بين التنظيم والحرس الثوري الإيراني وحزب الله.

ويوضح أن “نشاط داعش في استهداف الميليشيات الإيرانية تراجع بشكل كبير وأحصى المرصد 100 عملية لداعش في 2023 كانت ضد التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية وحكومة دمشق لكنها لم تنفذ عمليات ضد الميليشيات الإيرانية”.

وفي ذات السياق تحدث الصحفي عمر الخطاب، عن عدة تحقيقات استقصائية كشفت التنسيق على مستويات عالية بين المجموعات الإيرانية و”داعش”.

ويقول الصحفي: “تتضمن الاتفاقيات وتبادل المعلومات وتجنب الاشتباكات المباشرة وتُسهل عمل الميليشيات الإيرانية ونقل وتهريب السلاح لداعش”.

ويشير إلى أن “التنسيق يهدف إلى تحقيق أهداف مشتركة، مثل السيطرة على مناطق نفوذ، وإضعاف الأعداء المشتركين”.

الهجرة الجديدة

تعتبر البادية السورية التي تتوسط محافظات “حماه، حمص، الرقة، ديرالزور” البقعة الأخطر منذ العام 2017 التي أفضت إلى تقاسم النفوذ بين ضفتي نهر الفرات حيث سيطرت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” على الضفة الشمالية، بينما سيطرت القوات الحكومية وحلفائها على الضفة الجنوبية، ما جعل خلايا تنظيم داعش تتخذ من البادية المترامية الأبعاد مركزاً وعاصمةً جديدة لاستقطاب مقاتلين وعمليات تضرب بها محيط مراكز المدن والقرى لمختلف الفصائل العسكرية آنفة الذكر.

ويشير عبد الكريم إلى أنه بعد العام 2020 اتخذت مجموعات أفغانية ولبنانية وعراقية موالية لإيران مزارع ومدارس ومؤسسات كمراكز عسكرية ونقاط تثبيت للسيطرة على البادية وهو ما فعلته في تدمر والسخنة ومناطق التبني ومعدان والسبخة والشميطية من ريفي ديرالزور والرقة.

ويضيف: “أدبيات ومعرفات التنظيم عرفت البادية السورية بأنها الهجرة الجديدة والجغرافيا التي لابد من الوصول إليها للعودة إلى الخلافة واستعادة الدولة التي امتدت على خارطة ولاياتها في كل العالم”.

ويشير إلى أنه “بالرغم من تعدد الحملات العسكرية والجوية بين روسيا وإيران ولواء القدس والقوات الحكومية، إلا أن العمليات العسكرية عبر الاستهداف المباشر بشكل أسبوعي، أظهرت قدرة التنظيم أمام أنصاره بأنه حاضر ويسيطر على قلب الجغرافيا السورية عبر البلدية، بل وفرض ماتسمى: “الكلفة السلطانية” (مبلغ يفرض على القوافل التجارية والصناعية، كالزكاة).

وفي ذات السياق يشير أحمد سلطان، عن أهمية البادية بالنسبة لتنظيم “داعش” في حماية قاداته بعد نقل العديد منهم من مناطق إدلب إلى عمق البادية بعد تكرار استهداف زعمائه من قبل التحالف الدولي لافتاً إلى زيادة نشاط التنظيم وتوسع عملياته بشكل ملحوظ، والتي وصلت إلى السلمية وهي “تكشف عن مدى زخم ونشاط داعش في البادية السورية لذا فهو يستهدف باحثي الكمأة والرعاة والعسكريين وحتى الأفراد”.

تحرير: محمد حبش