مدارس ومعسكرات لأيتام “داعش” في سوريا وتركيا.. هل سيعيد الغرب رعاياه من مخيم الهول؟

لامار أركندي – نورث برس

ظهرت في الآونة الأخيرة مدارس شرعية ومعسكرات تدريبية لأطفال عناصر جهاديين وفي تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بينهم أجانب في سوريا وتركيا وتدريبهم على الدروس الدينية والعسكرية، والعشرات من هؤلاء قد تم تهريبهم من مخيم الهول باتجاه سري كانيه/ رأس العين وتل أبيض الواقعتين تحت سيطرة تركيا وفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها.

كشفت صحيفة “كيسا دالغا” التركية الإلكترونية عن مركز سري خاص بأطفال “داعش” في مبنى مؤلف من خمسة طوابق لمكتبة في العاصمة أنقرة يتلقون في طابقها الأرضي دروساً شرعية وأفكاراً متشددة وتحت أنظار الحكومة التركية يمارس المركز نشاطه في الترويج لأيدلوجية التنظيم وفكره.

قالت “كيسا دالغا”: “إن المكتبة تقع في منطقة حسين غازي ويحمل المبنى الرقم ( 47  في شارع  1131) في حي باش بينار، وفي التفاصيل التي ذكرتها الصحيفة فأن الأطفال ممن تتراوح أعمارهم بين (6-16 عاماً) يُنقلون يومياً ضمن سيارات صغيرة خاصة لمبنى المكتبة المغطاة بستائر سميكة والمسماة بمركز الرباط”، ونقلت عن شهود عيان من أصحاب المتاجر القريبة من المكتبة أنهم منذ ستة أشهر يشاهدون عملية دخول وخروج الأطفال من المبنى من بينهم أطفال لمواطنين أتراك من ذوي الميول الجهادية. وقالت الصحيفة: “إن عوائل عناصر داعش يقطنون في أحياء أورنك محلة سي والتنداج وبورساكلا,حسين غازي وكارابورجك في أنقرة ويتحركون بحرية تامة داخل هذه الأحياء، وأن العديد منهم قاتلوا في سوريا”.

“مراكز بمناطق سيطرة تركيا”

ذات المراكز والمدارس انتشرت في منطقة عفرين بعد السيطرة التركية عليها وكذلك في مناطق رأس العين وتل أبيض وإدلب وجرابلس وأعزاز التي تخرج وفق رئيس تحرير مركز توثيق الانتهاكات في شمال شرق سوريا، مصطفى عبدي، آلاف الأطفال ضمن حفلات لتخريج حفظة القرآن.

وكشف “عبدي” خلال حديثه لنورث برس أن جهات مرتبطة بالتنظيمات السلفية الجهادية المتشددة سواء أكانت القاعدة أو تنظيم “داعش” وغيرها من التكتلات المتطرفة هي من تشرف على عملية تحضير الأطفال فكرياً وغسل أدمغتهم بتدريسهم مناهج تخدمهم، واتهم “عبدي” أنقرة بأنها الراعية الأساسية لهذه المراكز الجهادية والترويج لها في مؤسساتها ووكالاتها الإخبارية كوكالة الأناضول إضافة لدور قطري في تمويل هذه المدارس والمراكز بالسلاح والمال.

“أشبال داعش”

ويعتقد “عبدي” أن ظاهرة أشبال الخلافة لازالت رائجة في مناطق سيطرة أنقرة في سوريا وكذلك في الداخل التركي وهؤلاء الأطفال يشكلون النموذج الأكثر جذباً للتنظيمات الجهادية التي يسهل عليها تحضير هؤلاء الصغار فكرياً بداية.

ويقول إن أعدادهم هائلة وهم يتضاعفون يومياً بشكل ممنهج ومخطط وهناك ترويج إعلامي كبير لفعالياتهم، وأن المدارس تغري أطفال تلك المناطق للالتحاق بصفوفها عبر تقديم هدايا كدراجات هوائية وكتب وأموال ومواد إغاثية بهدف تجنيد المزيد من “المريدين”، وهذه المدارس بحسب “عبدي” تحرم طلبتها من التعليم النظامي من خلال مواصلة الأطفال الدراسة فيها.

وبحسب الباحث المتخصص في شؤون المجموعات المتطرفة، عصام صبري، فأن منظمات باكستانية وأخرى أفغانية افتتحت مدارس في عفرين خاصة في القرى الإيزيدية وكذلك في رأس العين وتل أبيض التي افتتحت فيها جمعية السلام الباكستانية للمساعدات الإنسانية (سلام ايفي) مدرسة الشيخ أحمد منذ 2020ومهمتها تجنيد الأطفال فكرياً قبل نقلهم إلى الداخل التركي لتلقي تدريبات عسكرية.

وفي وقت سابق نقلت الصحافة التركية عن والي ولاية أورفا “عبد الله إيرين” ومساعده “أوغوزان إردي أتاك” وهو مسؤول تل أبيض، أن جمعية السلام الباكستانية أنفقت مليون ونصف مليون ليرة تركية وأن الدعم المقدم من باكستان “كبير جداً”، صبري كشف لنورث برس بأن وقف الديانة التركي ودار الإفتاء في مدينة تل أبيض وتحديداً في سلوك تشرف على إدارة تلك المدارس والمراكز وهي تدخل ضمن نشاطها في دعم المعاهد الدينية ذات التوجه المتشدد سواء في سوريا أو في تركيا.

منظمة “أي هاها” الاستخباراتية

وحذر “عصام صبري” من منظمة (أي ها ها) التركية التي تنشط خاصة في مناطق شمال حلب ورأس العين وتل أبيض وهي تتحرك تحت ستار إنساني وبحسب “صبري” فقد أكدت معلومات وتقارير صحفية عن ضلوع المنظمة في ملف تهريب أطفال ونساء “داعش” من مخيمات شمال شرقي سوريا وتورطها في شحن أسلحة لجبهة النصرة من بلغاريا إلى سوريا في  2013، وتتخذ “أي ها ها” الدين الإسلامي ستاراً لتحركاتها المثيرة للشكوك، بحسب المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة.

ويقول صبري إن المنظمة استخباراتية وكانت تشرف على عمليات تحويل الأموال لنساء “داعش” في مخيم الهول وروج وفق التحقيقات التي أجرتها قوات سوريا الديمقراطية مع خلايا التنظيم خلال العمليات الأمنية التي نفذتها قواتها داخل المخيم وهذه الأموال كانت تستخدم في تهريب أطفال ونساء “داعش” ذوات الجنسيات الأجنبية خاصة من المخيمات وتدريبهم وتسهيل عبورهم إلى الدول الأوربية التي قدموا منها لتنفيذ عمليات إرهابية ضد حكومات بلدانهم.

نشرت وكالة “الأناضول” في وقت سابق أن الاستخبارات التركية نجحت في تهريب مواطنة مولدوفية مع أطفالها الأربعة من الهول  ونقلتهم إلى تركيا، الأمر الذي أكدته تحقيقات قوى الأمن الداخلي مع امرأة من أصول شيشانية بأن منظمة “أي ها ها” متورطة في تهريب العديد من أطفال وزوجات “داعش” من مخيمات الشمال السوري.

وفي هذا السياق عقّب نائب الرئاسة المشتركة لدائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، فنر كعيط، على الدور التركي في هذا الملف بالقول: “الجهات الأمنية  للإدارة الذاتية وثّقت عن مركز لتدريب جهاديي داعش في ناحية بلبلة بريف عفرين الواقعة بالقرب من القاعدة التركية هناك وهو ما جاء في اعترافات المعتقلين من العناصر المهاجمة من خلايا داعش على سجن الصناعة بمدينة الحسكة في بداية العام الجاري وهو ما أكد وكشف عن حجم التعاون الكبير بين داعش والجانب التركي”.

ومن جانبه أكد سيامند علي، مدير المركز الإعلامي لوحدات حماية الشعب، خلال حديث لنورث برس، عثورهم على مراكز لتدريب الأطفال داخل مخيم الهول أثناء الحملات الأمنية الثلاثة التي نفذتها القوى الأمنية ضد خلايا “داعش” في الهول.

“سيامند” أشار إلى تلقي الأطفال لاسيما أثناء فترات الليل تدريبات مكثفة من قبل خلايا التنظيم وتلقيهم دروساً فكرية متطرفة وتدريبات قتالية، وقال: “عثرنا على  كتب ومجلدات كانت تحتوي على  إيدلوجية التنظيم وشريعته وبعدة لغات منها اللغة التركية كما عثرنا على مختلف أنواع الأسلحة داخل خيم بعيدة عن المخيم مجهزة بأنفاق وأسلحة كانت بمثابة معسكرات خاصة لتدريب الأطفال”.

قلق غربي

تداعيات إنشاء مراكز ومدارس لأطفال “داعش” على تركيا مستقبلاً وعلى سوريا خاصة والدول التي جاء منها أطفال “داعش” يوضحها الدكتور مصطفى أمين، الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب، من خلال تحذيره من خطورتها على تركيا نفسها، وقال: “إن المسألة بالغة الخطورة ويصعب على أنقرة إعلانها أو إنكارها في نفس الوقت ومحال أن يتغاضى المجتمع الغربي حيال هذا الملف، فتركيا بحسب “أمين” تحتضن أساساً المجموعات الجهادية المتطرفة التي يعتبرها نواة أو من مخلفات الحرب السورية فتركيا هي حاضنة لخوارج هذه الحرب وحاضنة لعوائل “داعش” التي تسللت عبر حدودها للعمق السوري.

ونوه أمين إلى أن هذه المعسكرات تشكل خطورة على تركيا وشعبها فهي حولت بلدهم إلى حظيرة لنمو تنظيم “داعش” وإحياء جغرافيته من جديد، وذكر أن أوربا متنبهة لخطورة هذه المراكز التي تحتضن عوائل “داعش” في مخيمات الشمال السوري إلا أنها لا تخطو خطوة في اتجاه تسوية هذا الملف والقيام بإجراءات تنهي الخطر فالدول الغربية تستخدم استراتيجيات مسبقة من خلال اصطياد قيادات الصف الأول في “داعش”.

مسؤول الإدارة الذاتية، فنر كعيط، تحدث عن دفعات لرعايا أجانب أعادتهم دولهم، ورغم جمود هذا الملف يقول إن هناك توجه لإعادة الرعايا الأجانب من مخيمي الهول وروج بسوريا، خشية تحول هؤلاء إلى جهاديين في المستقبل.

تحرير: تيسير محمد