“البليخ”.. النهر الذي أفسد أراضي الرقة وحياة مزارعيها
زانا العلي – الرقة
في معالم الرقة الخضراء حيث يعيش المزارع عبد الرزاق بين أرضه والمحاصيل، تظهر واقعة مأساوية يرفع صوتها نهر البليخ الذي تحول من مصدر حياة إلى مصدر أذى للمزارعين وللأراضي الزراعية.
ينبع نهر البليخ من قرية عين العروس جنوب مدينة تل أبيض بالقرب من الحدود السورية التركية، بطول 110 كيلومتراً، ليجاور 14 قرية قبل أن يصب في نهر الفرات بمحيط مدينة الرقة، شمالي سوريا.
ويسبب النهر دماراً في آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية خلال فصل الشتاء نتيجة “سوء التخطيط من قبل مهندسي الحكومة السورية أثناء بناء الجسور سابقاً”، بحسب المزارع.
الأمطار الغزيرة تتسبب بفيضان نهر البليخ وغمره لآلاف الهكتارات على طول مجراه شمالي الرقة في العام 2023
ما المشكلة؟
تتمثل أبرز التحديات التي يواجهها المزارعون، بفيضان النهر في كل شتاء بسبب إغلاق مجرى النهر بفعل الزل والكتل الطينية، مما يؤدي إلى دمار الآلاف من الهكتارات الزراعية.
ويروي المزارع عبد الرزاق العباس، 74 عاماً، قصة النهر مشيراً إلى إنه في العام 2002 عملت الحكومة على شق النهر إلى النصفين عبر بناء جسران في خطوة لمنع فيض النهر وسهولة وصول المياه إلى المصب.
لكن المزارع يرى أن بناء الجسور وشق النهر لم يحلا المشكلة لامتلاء النهر بالقصب والذل، مما يتسبب بفيضانه ودمار الأراضي المحيطة به.
وعلاوة على ذلك حُرم المزارعون من ما يزيد عن 3 آلاف دونم، بحجة أنها أصبحت من ضمن حرم النهر، حسب عبد الرزاق
ويطالب بتنظيف المجرى الأساسي للنهر وإزالة الكتل الطينية والمخلفات لسهولة جريان النهر.
ويتمثل التحدي الآخر بنهر “الجلاب” القادم من الأراضي التركي والذي يصب في البليخ حاملاً معه مخلفات ومصاريف الأراضي الزراعية في تلك المنطقة، وأعشاب برية غالبيتها ضارة للمحاصيل الزراعية.
المزارع خضر الباكير البالغ من العمر 50 عاماً، يشير لنورث برس إلى انتشار أعشاب ضارة، خاصةً الباذنجان البري، التي قد تخرج الأراضي الزراعية عن الخدمة.
والباذنجان البري عشبة معمرة عريضة الأوراق تنتشر في الأراضي البور والمهملة وعلى أطراف قنوات الري وبجانب الطرقات، وتتصف بمقاومتها الشديدة للظروف المناخية القاسية كالحر الشديد والجفاف والصقيع.
لا مشاريع لخدمة المزارعين
ولم تعمل الحكومة السورية سابقاً والإدارة الذاتية حالياً على مشاريع ري على طول مجرى النهر، لذا يلجأ مزارعون لطرق بدائية لاستجرار المياه بعد سقاية الاراضي المجاورة لها بواسطة مولدات الديزل.

وكان سكان القرى المجاورة للنهر يستخدمون “الصكور” وهي عبارة عن سد صغير في منطقة مرتفعة لضبط المياه وسهولة الاستفادة منها، وكل صكر كان يروي ألفي دونم.
ويوجد على البليخ أكثر من 27 صكر، كل 40 مزارع اشتركوا في بناء واحدة منها، إلى أن سميت بلدة بريف تل أبيض الجنوبي باسم “الصكيرو” من كثرة استخدامها سكانها للصكور.
وتبقى هذه الوسائل البدائية، السبيل الوحيد للمزارعين للاستفادة من النهر رغم الضرر الذي يلحق بهم.
وتشهد مناطق شمال وشرق سوريا تحديات متزايدة في ظل قلة المياه وحجب تركيا لمياه نهر الفرات. مع أربعة أنهار رئيسية في تلك المنطقة، ليبقى نهر البليخ، اليوم مصدراً للقلق والتساؤلات حول مستقبل الزراعة والحياة في المنطقة.