من بقايا البراكين.. عمال من الرقة يبنون بالحجر البازلتي وسط قلة الأجور
زانا العلي – الرقة
يعمل محمد بمقدار عشر ساعات يومياً، رفقة أقرباءه في تكسير حجر من بقايا البراكين وبناء أسوار ومنازل سكنية، لتأمين قوت يومهم، وسط قلة الأجور في عمل يعتبر “شاقاً”.
محمد العبد الله (39 عاماً) من سكان بلدة حمرة بلاسم 15 كم متر شرقي الرقة، شمالي سوريا، يشرف رفقة ابن عمه على أكثر من عشرة عمال مبتدئين في تعمير الأسوار والمنازل بالحجر البازلتي.
رغم مشقة العمل وزيادة ساعاته، يستمر “العبدالله” ورفاقه فيه بسبب صعوبة الوضع المعيشي وارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل، وسط مطالبات بدعم فئة العمال.
الحجر البازلتي
يستخدم “العبدالله” وأقرانه الحجر البازلتي، ذو المواصفات “العالمية”، فهو حجر بركاني صلب يدخل في تصميم الأبنية الحديثة والإكساء الخارجي ويستخدم في الأرصفة الطرقية.

يوجد الحجر البازلتي في الجهة الشمالية من بلدة الكرامة 30 كم شرقي الرقة حيث هضبة المناخر البركانية، والتي ترتفع أكثر من 400 متر عن سطح البحر و200 متر عن المنطقة الواقعة حولها.
وتعود هضبة المناخر إلى الزمن الجيولوجي الرابع، ضمن الزمن الجيولوجي الحديث، والممتد لفترة طويلة، وتنتمي لزمرة جبال “السوما” الفريدة من نوعها في سوريا، وفقاً لباحثين.
ويعد حجر البازلت من أحد الصخور البركانيّة المتميّز بلونه الغامق، إذ يعد غنيّاً بعنصري الحديد والمغنيزيوم ونسبةٍ قليلةٍ من السيليكا.
يتكوّن من مزيج من الحبيبات صغيرة الحجم والزجاج، كما يتكوّن من بلورات الزبرجد ذو اللون الزيتي، وبلورات الفلسبار.
ويكون حجر البازلت ذو بُنيةٍ نفّاذة، وهذا يرجع لكون الحمم البركانية ذات طبيعةٍ اسفنجيّة مما يسمح بتسرب المعادن مثل الكالسيت والكلوريت محل التجاويف الناتجة بفعل بخار الماء.
ويُعد حجر البازلت أكثر الصخور البركانية شيوعاً على القشرة الأرضية، إذ يُشكّل الغالبية العظمى من قاع المحيطات.
وأيضا استخدمه الرومان قديما في رصف الطرق، ولصنع المقاعد في المدرجات والملاعب، كما تم استخدامه في المطاحن، ويصنع منه العديد من أنواع الحجر للبناء والترميم، حيث استعمل في عملية الطحن وفي مشاريع الصرف الصحي نظراً لنفاذيّته، وغبار الحجر البازلتي كسمادٍ للزراعة لزيادة خصوبة التربة، وفي عمليات العزل خصوصاً بسبب مقاومته للحرارة، إذ يستخدم في المواقد أيضا.
يتواجد حجر البازلت في الولايات المتحدة، ويتواجد أيضاً في ألمانيا وإيطاليا، وأيضاً في ليبيا وسوريا ومناطق عدة في شرق الأوسط.
ويستخدم الكثير من سكان المنطقة، الحجارة السوداء البازلتية الموجودة في الهضبة، في بناء منازل لهم، وتشييد جدران تحيط بمنازلهم، مفضلين هذه الحجارة على حجارة (الحوار) المنتشرة في منطقة وادي الفرات.
أجور قليلة
بالعودة إلى “العبدالله” يقول الرجل إننا نعمر كل متر مربع بـ30 ألف ليرة سورية، “رغم صعوبة تكسيره وإعطائه شكلاً يناسب العمارة على عكس البلوك العادي”.
ويضيف الرجل بلهجته المحلية، لنورث برس: “والله العظيم شقالين من الصبح للمغرب ومتحملين البرد والحر وما جع توفي معانا حول لقمة الخبز”.
ويشير إلى أنهم كعمال “محرومون من كل الدعم. نرى أن المنظمات والإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، يدعمون القطاع الزراعي والصناعي بينما الأيدي العاملة والعمال مهمشين”.

ويطالب الرجل الجهات المعنية بالدعم ومساعدته على الأقل في مجال الطبابة والسلال الغذائية وبعض من الآلات.
بدوره يقول إبراهيم الحميد (50 عاماً) من سكان بلدة حمرة بلاسم 15 كم شرقي الرقة، “ورثت الصنعة من أجدادي حيث أعمل بتكسير حجر البازلت منذ أكثر من 30 سنة”.
ويضيف الخمسيني لنورث برس: “نحن 13 شخصاً من أولاد أخي وعمي، نعمل كورشة معاً، مجموعة تكسّر الأحجار، وأخرى تجهز الطينة، وأنا وشخص آخر معلمين”.
ويبدأ العمال من الساعة السابعة صباحاً العمل وينتهون في السادسة مساءً، ويبني “الحميد” رفقة أقرانه يومياً بين 15 إلى 20 متراً مربعاً، ويتقاضون عليها مبلغ 450 ألف ليرة سورية.
يقول: “نقوم بتقسيم المبلغ الذي نتقاضاه على 13 شخصاً”، بحسب “الحميد”، ويضيف: “الأجور جداً قليلة”.