دراسة لتشريع نقل أعضاء المتوفين دماغياً في سوريا تثير ردود فعل متباينة.. ما المخاطر؟

تامر الشيخ – دمشق

في قسم غسيل الكلى، تجلس “مريم” (اسم مستعار)، لشابةٍ في مقتبل العمر، تُعاني من فشلٍ كلويٍّ مُزمن. متأسفة على حالها، “أقضي ساعاتٍ طويلة على جهاز غسيل الكلى، وأنتظر بفارغ الصبر زراعة كليةٍ جديدة تُعيد إليّ حياتي الطبيعية.”

وتضيف مريم لنورث برس: “أعلم أنّ هناك العديد من المرضى الذين يُعانون من نفس المشكلة، وننتظر جميعًا فرصةً للعيش.”

تُشارك ريم، مريضة تعاني من فشل كلوي، قصتها مع رحلة الانتظار المُضنية، قائلةً لنورث برس: “أنتظر منذ سنوات فرصةً لزراعة كلية، كل يوم يمر يزداد صعوبةً، وأشعر بأن الأمل يتضاءل.”

ويُضيف محمد، مريض يعاني من مرضٍ في القلب: “الحياة مع أمراض القلب صعبةٌ للغاية، كل ما أريده هو فرصةٌ للحياة، فرصةٌ لزراعة قلبٍ جديد.”

شعاع أمل

بين أروقة مشفى المواساة، يصارع مئات المرضى أمراضًا عضالًا، ينتظرون بفارغ الصبر شعاع أملٍ ينقذهم من براثن الموت. قد يكون هذا الشعاع هو زراعة أعضاء جديدة، تعيد إليهم نبض الحياة.

اليوم في دمشق، يزداد الطلب على زراعة الأعضاء بشكلٍ ملحوظ، بالمقابل فإن عملية نقل أعضاء المتوفين دماغياً والميتين سريرياً لا تزال محظورة لأسبابٍ دينية وقانونية لدى حكومة دمشق. وضمن هذا المنحى، برزت مساعٍ حديثة لتغيير هذه القوانين.

وكشف مدير مشفى المواساة في دمشق، عصام الأمين، عن تشكيل لجنة مختصة من وزارة الصحة لدراسة إمكانية السماح بنقل أعضاء المتوفين دماغياً والميتين سريريا؛ حسب لقاء أجراه مع وسائل إعلام مقربة من الحكومة، أوضح خلاله أن اللجنة تعمل على إعداد مشروع قانون ينظم عملية نقل الأعضاء في مناطق الحكومة.

وأشارت مصادر مطلعة في وزارة الصحة في تصريح خاص لنورث برس، إلى أن هناك خططاً إعلامية سوف تنشر في الطرقات بغرض نشر الوعي حول أهمية التبرع بالأعضاء، وتغيير النظرة المجتمعية تجاه هذا الموضوع.

وأشارت ذات المصادر إلى أنه تم تحديد عدد من المراكز المتخصصة لنقل الأعضاء بدمشق. وأن هذه المساعي “لا تزال في مراحلها الأولى، وأن هناك العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها قبل تطبيقها بشكل كامل”.

ثائر عمايري، طبيب مختص بأمراض الكلى في مشفى الأسد الجامعي، شدد على أهمية هذه المساعي خصوصًا في ظل ازدياد الحاجة إلى زراعة الأعضاء في سوريا، حيث يعاني العديد من المرضى أمراضاً مزمنة في الكلى والقلب والكبد.

وكشف “عمايري” لنورث برس، أنه اطلع على مقترحات تتضمن إعداد مشروع قانون ينظم عملية نقل الأعضاء في سوريا، ويحدد شروط وموانع نقلها.

شارع العقيدة والقانون

ضمن  أطر الدين، هناك العديد من الأسباب التي تمنع السماح بنقل أعضاء المتوفين دماغياً والميتين سريرياً في سوريا، حسب الشيخ راتب صوان الذي فنّد الأمر بشرحه في “بُعده الديني” ففي دين الإسلام، بحسب “صوان”؛ يرى بعض العلماء أن هؤلاء لا يُعتبرون موتى شرعاً.

أما في المسيحية فيرى الأب انطونيوس حنانيا، أنه لا يوجد موقف موحد من جميع الكنائس المسيحية حول نقل الأعضاء، لكن أغلبية الكنائس تعتبر أن الجسد هو هبة من الله يجب احترامه.

ولا تسمح القوانين السورية الحالية بنقل أعضاء المتوفين دماغياً والميتين سريرياً.وإضافة إلى ذلك، هناك بعض المخاوف من إمكانية استغلال الفقراء والمحتاجين لبيع أعضائهم. إلى جانب إمكانية حدوث تجاوزات غير أخلاقية خلال عمليات نقل الأعضاء.

راشد الحسين، محامٍ في دمشق يقول لنورث برس: “يتطلب السماح بنقل أعضاء المتوفين دماغياً والميتين سريرياً تغييرًا في القوانين السورية الحالية.

ويضيف، أن تغيير الوعي المجتمعي، الذي لا يزال يمتلك نظرة سلبية تجاه التبرع بالأعضاء في المجتمع السوري، قد يحد من عدد المتبرعين.

ولكن على الرغم من هذه التحديات، فإن ذلك يمثل “خطوة إيجابية” نحو إنقاذ حياة العديد من المرضى في سوريا، بحسب “الحسين”.

ضمن منحى آخر، وعلى الرغم من هذه التحديات، يرى سامر خير بك، وهو محامٍ في دمشق، أن هناك جهود تُبذل لتغيير هذه القوانين وتنشر الوعي حول أهمية التبرع بالأعضاء.  

ويرى “خير بك”، في حديث لنورث برس، أن تشكيل لجنة مختصة من وزارة الصحة السورية لدراسة إمكانية السماح بنقل أعضاء المتوفين دماغياً والميتين سريرياً “أصبح قاب قوسين أو أدنى”.

إيجابيات وسلبيات

أثارت هذه المساعي جدلاً واسعاً في المجتمع السوري، بين مؤيدٍ يرى فيها فرصةً لإنقاذ الأرواح، ومعارضٍ لأسباب دينية وأخلاقية. حيث يُعدّ تشريع قانون نقل أعضاء المتوفين دماغياً موضوعًا مثيرًا للجدل، لما له من الإيجابيات والسلبيات.

يرى شادي كيوان، وهو طبيب، أن ذلك يعتبر سبيلاً حيال إنقاذ الأرواح و”سيساعد نقل أعضاء المتوفين دماغياً على إنقاذ حياة العديد من المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة في الكلى والقلب والكبد”.

ويشير “كيوان” أن ذلك يسهم في تقليل التكاليف، حيث ستُقلل زراعة الأعضاء من تكاليف علاج المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة.

من ناحية أخرى، يقول الدكتور سامر سويد: “يعد الترويج للتبرع بالأعضاء من المتبرعين المتوفين أمرًا ضروريًا نظرًا للنقص المتزايد في الأعضاء. لقد وجدنا أن غالبية المشاركين لدينا على استعداد للتبرع بأعضائهم، مدفوعين بالرغبة الخالصة في مساعدة الآخرين. لكن الخوف من تشويه الجثة عن طريق إزالة أحد الأعضاء وعدم الثقة في عملية اختيار المتلقين من العوائق الرئيسية للتبرع بالأعضاء”.

ولا تزال مساعي السماح بنقل أعضاء المتوفين دماغياً والميتين سريرياً في سوريا في مراحلها الأولى، وتُواجه العديد من التحديات. ولكن على الرغم من هذه التحديات، تُمثل هذه المساعي خطوةً إيجابيةً نحو إنقاذ حياة العديد من المرضى في سوريا حسب إحصاء الآراء المدرجة.

وتم إجراء أول عملية زراعة كلى من متبرع حي في سوريا منذ 40 عاماً (1979)، وتم إجراء ما مجموعه 5132 عملية زراعة كلى حتى عام 2018. وتم إجراء ثلاث حالات زراعة قلب من متبرعين متوفين في مشفى تشرين العسكري بدمشق خلال فترة قصيرة الزمن (منتصف 1989 إلى نهاية 1990)؛ توقفت أنشطة زراعة القلب منذ ذلك الحين.

في الآونة الأخيرة (2017 و2019)، تم إجراء عمليتي زراعة كبد من متبرعين أحياء في مستشفى الأسد الجامعي بدمشق. حالياً يتم إجراء عمليات الكلى ونخاع العظم والقرنية في سوريا.

وتبقى الكلمة الفصل لحكومة دمشق في إقرار قانونٍ ينظم عملية نقل الأعضاء، ويُحقق التوازن بين الأبعاد الدينية والأخلاقية والاحتياجات الطبية الملحة.